سلمان بن محمد العُمري
في أول الميزان الذي يوافق يوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر في التاريخ الميلادي من كل عام يصادف ذكرى وتاريخ وطني مجيد لبلادنا العزيزة المباركة، فهو اليوم الذي أعلن فيه المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- توحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م يوماً لإعلان قيام المملكة وتوحيدها، بعد ملحمة البطولة التي قادها لاسترداد ملك آبائه وأجداده، فأصبح فيما بعد اليوم الوطني للبلاد، فتوحدت بعد فرقة وشتات وساد الأمن بعد خوف واضطراب؛ حتى صارت بلادنا مضرب المثل في الأمن والرخاء والاستقرار، ويشهد بذلك القاصي والداني.
ونحن نحمد الله سبحانه وتعالى على توفيقه وتسديده للملك المؤسس وما بذله من جهود في هذه الملحمة الوطنية الكبيرة بتوحيد البلاد أرضاً وقبل ذلك قلوباً، وأصبحت جماعة واحدة وعلى عقيدة واحدة ودين واحد وقبلة واحدة وأمتنا واحدة، ومازلنا ولله الحمد ننعم بثمرة هذا الغرس المبارك في أمن وإيمان ورخاء واطمئنان ووحدة صف وتلاحم جسد واحد بين أبناء البلاد قيادة وشعباً منذ عهد المؤسس مروراً بأبنائه الكرام الذين تتابعوا خلفه على النهج الرشيد، سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله رحمهم الله جميعاً وحتى هذا العهد الزاهر عهد الحزم والعزم للملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه -.
إن كل بلاد الأرض عزيزة على أهلها يتباهون بها وإن كانت قفراً ويذودون عنها بلسانهم وبنانهم إذا حزب الأمر ويتفاخرون بها في كل ميدان ويتنافسون في إظهارها للعالم في أبهى صورة ويسعدون بمنجزاتها ويتألمون لما يصيبها ويتفانون في بذل كل مامن شأنه تقدمها وأزدهارها، ولكننا في هذا العالم استثناء فنحن جزء من منظومة العالم ونحب وطننا كما يحب الآخرون أوطانهم، ولكن ما يميزنا في حبنا لبلادنا ووطننا الغالي المملكة العربية السعودية أن محبتنا لبلادنا ليست محبة دنيوية يحكمها الانتماء والمصالح بل هي محبة دينية ودنيوية فهي بلاد التوحيد والسنة دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تطبق الشريعة الإسلامية في جميع أنظمتها كما نصت المادة السابعة من نظام الحكم (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة) والمحاكم لدينا لا تتقيد بأي قانون وضعي، وإنما تسير في أحكامها وفق ما تأمر به الشريعة الإسلامية، وعلمنا الخفاق هو العلم الوحيد الذي يحمل إشارة التوحيد ويُلَوِح بالإيمان الصحيح والتوحيد الصحيح المقرون بالإيمان بأن لا إله إلا الله، محمداً رسول الله.
ومن هنا انطلقت الرسالة ونزل القرآن الكريم ولا تزال ناصرة للدين ناشرة للدعوة، والمملكة العربية السعودية من الله عليها بالالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة والحرص على القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وهي الوحيدة اليوم في العالم التي ينص نظام الحكم فيها، على أن الدعوة إلى الله واجب من واجبات الدولة وقد جاء في أحد مواد نظام الحكم تقوم الدولة بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وهذا يعني أن الدولة بجميع مؤسساتها ابتداءً من ولاة أمرها، وجميع القطاعات الحكومية تقوم بهذا الواجب.
ومما من به على هذه البلاد المباركة من نعم كثيرة وفضل كبير وشرف عظيم اختصت به وهو خدمة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزوار، والمملكة العربية السعودية تعتز وتتشرف بما تبذله من جهود وما تقوم به من عناية واهتمام وتطوير وبناء وتوسعات في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لتوفير أعلى درجات الراحة والسكينة والأمن والاطمئنان لجميع المسلمين الذين يفدون إلى هذه الديار المقدسة وتبتغي الأجر والمثوبة من الله عز وجل.
وقبل أسبوعين أنهى حجاج بيت الله ولله الحمد حجهم بكل نجاح وطمأنينة ويسر وسهوله، ولقد كان لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- لكافة القطاعات بمضاعفة الجهود لتوفير المزيد من الراحة والاطمئنان للحجاج والمعتمرين والزوار أثر كبير في تفاني كافة العاملين لنيل شرف خدمة ضيوف الرحمن، وكان أبناء المملكة في محل الثقة في أداء واجبهم الديني والوطني.
ونحن نحتفل بهذا اليوم الوطني المجيد أتذكر هنا كلمة خالدة للإمام العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- حين قال: العداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن من حولنا؟.. هذه الدولة السعودية دولة مباركة نصر الله بها الحق ونصر بها الدين وجمع بها الكلمة وقضى بها على أسباب الفساد، وأمن الله بها البلاد وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله وليست معصومة وليست كاملة. كل فيه نقص فالواجب التعاون معها على إكمال النقص وعلى إزالة النقص وعلى سد الخلل بالتناصح والتواصي بالحق والمكاتبة الصالحة والزيارة الصالحة.
صدق -رحمه الله- فهذا البلد بلد قائم على أساس ديني منذ إنشائه، وهو تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية، وبلادنا متمسكة بالعقيدة السلفية الصحيحة.
ومهما تحدث المتحدثون وأسهبوا فلن يوفوا هذه الذكرى الطيبة حقها من الإيفاء، أما والشأن كذلك فلعلي استشهد ببعض من مقولات الملك المؤسس -رحمه الله- في مناسبات مختلفة وبكل تأكيد أن هذا الكلام المستقى من خطب وأحاديث ولقاءات جلالته -رحمه الله- سيكون معبراً بدرجة أكمل من أي حديث غيره فهو القائد المؤسس والباني لهذه المملكة الذي أمده الله بالنصر والتوفيق والرأي السديد في الميادين وفي الدواوين.
ومما قاله -رحمه الله-: «كان هدفنا قبل أن نوحِّد الأرض؛ أن نوحد النفوس، وأن نوحد الأفكار، ولن تنجح هذه الأمة على امتداد رقعتها الجغرافية طالما بقيت ممزقة» هذه الكلمة فيما يخص الوحدة والتوحيد، وعن كرامة الإنسان وحقوقه ودفع المظالم عن الناس، فقد ورد في البلاغ العام الذي أصدره بجدة في 8 جمادى الآخرة عام 1344، قوله: (إن لكم علينا حقوقًا، وإن لنا عليكم حقوقًا؛ فمن حقوقكم علينا: النصح لكم في الباطن والظاهر، واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم؛ إلا بحق الشريعة، وحقنا عليكم: المناصحة، والمسلم مرآة أخيه؛ فمن رأى منكم منكرًا في أمر دِينه أو دُنياه فليناصحنا فيه؛ فإن كان في الدين فالمرجع إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان في أمر الدنيا فالعدل مبذول -إن شاء الله- للجميع على السواء).
نعم هكذا قامت البلاد على التوحيد والإيمان والعدل والمساواة وستظل بإذن الله واحة للأمن والإيمان ومنارة للحق وناصرة للدين وعوناً وسنداً للإسلام والمسلمين.
نسأل الله عز وجل أن يديم علينا النعم ويدفع عنا الفتن والمحن والنقم، وأن يجعل هذا البلد آمناً مطمئنناً وسائر بلاد المسلمين، وأن يحفظ ولاة أمرنا وقادة نهضتنا، وأن يحفظ رجال أمننا ويحيطهم بعينه التي لاتنام وركنه الذي لايضام وأن يهدي ضال المسلمين وأن يقمع الباغين والظالمين والمعتدين، وأن يجعله عز وجل في نحورهم ويعيذ البلاد من شرورهم.