د.عبد الرحمن الحبيب
برغم كل المحاذير والتحديات والتهديدات يفترض أنه سيجري هذا اليوم استفتاء على استقلال كردستان العراق حسب قرار القيادة الكردية. وقد ظهرت ردود فعل متفاوتة من دول الجوار وأمريكا يمكن تمييزها بثلاثة أنواع من الردود على هذا الاستفتاء: معتدلة، متشددة، وما بينهما..
الردود المعتدلة أتت من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، بأن توقيت الاستفتاء غير مناسب في ظل الاضطرابات التي يشهدها العراق والمنطقة، وعدم إثارة الانقسامات، وضرورة توحيد الجهود ضد الجماعات الإرهابية لا سيما أن نهاية داعش أصبحت وشيكة. كذلك أعلنت السعودية عن استعدادها لتقديم وساطة بين بغداد وأربيل إذا رغب الطرفان في ذلك.
الرد العنيف أتى من دولة واحدة وهي إيران، إذ كررت القيادات الإيرانية امتعاضها من قرار الاستفتاء، فيما أعرب خامنئي علانية عن اعتراضه عليه. ومؤخراً شددت طهران على عدم استقلال كردستان العراق تحت أي ظرف من الظروف، مهددة بإغلاق الحدود مع الإقليم الكردي وتوقيع عقوبات وحتى بالتدخل العسكري إذا ما أجري الاستفتاء.
الرد الذي تراوح بين الرفض الشديد والمعتدل أتى من بغداد وأنقرة.. فالحكومة العراقية أعربت حيناً عن اعتراضها على آليات التصويت مثل تحديد المناطق، وعلى التوقيت، مقابل تفهمها لحق الأكراد بتقرير مصيرهم؛ لكنها أعربت حيناً آخر برفضها القاطع لإجراء الاستفتاء وعدم دستوريته، والتلويح باستخدام القوة ضد أربيل إذا ما أثار الاستفتاء أعمال عنف في البلاد. وعلى ذات المنوال المزدوج كان رفض الحكومة التركية، فتارة كان معتدلاً حين اعتبرت الاستفتاء قراراً خاطئاً، وأنها لن تمارس أية ضغوط أو عقوبات، وستستمر علاقاتها التجارية مع الإقليم الكردي؛ لكنها تارة أخرى أكدت أنها ستضغط على هذا الإقليم إذا استقل وقد تغلق حدودها معه.
لماذا أخذت تركيا هذا الرد المزدوج؟ لأنه على المدى المرحلي القصير لن تتضرر مصالحها بل قد يزيد نفوذها، لكن على المدى الاستراتيجي الطويل يبدو الأمر على النقيض. كيف؟ لتركيا تحالف قوي مع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وعلاقة هذا الحزب متوترة مع «حزب العمال الكردستاني» الذي يمثل غالبية معارضة أكراد تركيا. وحيث إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يسيطر على حكومة كردستان العراق فإنه سيكون لأنقرة نفوذ كبير على الإقليم. بالمقابل فإن تركيا تخشى امتداد عدوى الاستقلال الكردي إلى تركيا..
لماذا أخذت إيران هذا الموقف المتشدد؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسية. الأول أن طهران تعتبر أن الاستفتاء يشكل مقدمة نحو استقلال الإقليم الكردي مما يشكل تهديداً لوحدتها ولاستقرارها الداخلي. فالأكراد في إيران، وهم أقلية كبيرة، لا يحظون بأي هامش للتعبير عن طموحاتهم كما يحظى أقرانهم في تركيا، بل يعانون من تجاهل مطالبهم الحقوقية حيناً والردّ بقسوة عليها حيناً آخر.
السبب الثاني هو أن استقلال الإقليم الكردي يشكل تحدياً لطموحات إيران الإقليمية. يرى زمكان سليم (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السليمانية) أن طهران تعتقد أنّ الاستقلال الكردي سيؤدي لتفكك العراق على أُسسٍ عرقية طائفية: دولة سنية عربية مركزية، دولة كردية بالشمال، ودولة شيعية عربية بالجنوب. طهران تعتبر قيام دولة سنية عربية في وسط العراق كارثة استراتيجية، إذ يُرجح أن توطد علاقتها مع السعودية مما قد يدمر ممرّها البري نحو شرق المتوسط، الذي أنشأته بالسنوات الأخيرة، ليربطها بوكلائها الإقليميين في سوريا ولبنان عبر الأراضي العراقية.
الثالث، أن إيران متحالفة مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» المفكك والمنقسم على نفسه، بينما لأمريكا علاقة وثيقة مع الأكراد العراقيين مما يمثل قلقاً مزعجاً للإيرانيين خشية استخدام أمريكا نفوذها في كردستان العراق كقاعدة لإضعاف نفوذ إيران الإقليمي والضغط عليها. المتوقع أن تضغط إيران بقوة على الحكومة العراقية خلال تفاوضها مع الأكراد مستخدمة حلفاءها السياسيين والعسكريين في العراق.. وأن تصرّ إيران، بعد طرد داعش، على بقاء وحدات الحشد الشعبي الموالية لها لمناوشة القوات الكردية ومحاولة الدخول معها في صراع لخلق حالة مضطربة تبرر بقاء نفوذها شمال العراق..
لكن الاستقلال الكامل لكردستان العراق غير وارد على المدى القريب، فلا الظروف الداخلية للإقليم مهيأة، ولا الظروف الإقليمية مناسبة، ولا الرأي العام الدولي متوافق على ذلك على الأقل من ناحية التوقيت. لذا فإن الهدف المرحلي من الاستفتاء هو للحصول على مزيد من التنازلات من الحكومة المركزية. كذلك فإن مسعود بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) أكد أن الحوار مع بغداد يمكن أن يبدأ بعد الاستفتاء، لا قبله، متهماً الحكومات العراقية المتوالية منذ سقوط نظام صدام حسين بتحويل العراق لدولة مذهبية بدلاً من دولة مدنية.
إذا كان الاستفتاء هو للحصول على مزيد من الاستقلال الذاتي لحكومة كردستان العراق، فمن المتضرر والمستفيد من ذلك؟ يبدو من الناحية المرحلية أن جميع الدول المجاورة وأمريكا قد تربح أو لا تخسر من هذا الاستفتاء، ما عدا إيران التي ستخسر نفوذها شمال العراق، وقد تلجأ لتحريك وكلائها من المليشيات ضد البشمركة لاستمرار نفوذها هناك. أما الحكومة المركزية في بغداد فستدخل في مفاوضات جديدة (خاصة حول الحدود والنفط) وستقدم مزيداً من التنازلات لحكومة كردستان..