جاسر عبدالعزيز الجاسر
بدأت مرحلة ما بعد داعش تأخذ طريقها؛ إذ أخذت الأطراف الفاعلة في المناطق التي كانت توجد فيها داعش تملأ فراغ خروج التنظيم؛ ففي سوريا نجد قوات «سوريا الديمقراطية»، وهي الاسم لأكراد سوريا الذين في طريقهم لإقامة دولة كردية في سوريا بحكم الواقع، والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد في مواجهة نظام بشار الأسد وروسيا وحلفائها الأتراك.
الأكراد في سوريا أجروا انتخابات بلدية، ستسفر عن وضع أساس الحكم المحلي للأكراد في المناطق التي كان يوجد فيها داعش، وإن كانت معظمها يشكل الأكراد فيها وجودًا كبيرًا إلا أن معظمها مناطق عربية، كالرقة وشرق دير الزور والجزيرة السورية التي تشكل القبائل العربية الأغلبية إن لم تكن السيطرة التامة. ومع أن الأكراد لا يشكلون إلا أغلبية في القامشلي والحسكة إلا أنهم سيتمكنون من حكم شمال شرق سوريا، بما فيه محافظتا الرقة ودير الزور والجزيرة السورية وأجزاء من ريف حلب وإدلب؛ وهو ما يشكل نواة دولة للوجود الكردي على حدود تركيا.
أما في العراق فإن إقليم كردستان يتجه للتحوُّل إلى دولة كردية مبشرًا بعودة «دولة مهاباد» الكردية التي أنشأها الأكراد قبل إنشاء الدولة العراقية والدولة الإيرانية. ولا بد أن يسفر الاستفتاء الذي يجريه الأكراد اليوم في محافظات الإقليم، إضافة إلى المناطق المتنازع عليها مع العرب والدولة العراقية، وهي كركوك وخانقين وسهل نينوى وسنجار، عن الانفصال. وتعد هذه المناطق نقاط نزاع كبير بين بغداد والعرب والتركمان وحتى اليزيديين؛ إذ إن بغداد والعرب والتركمان وبعض اليزيديين لا يريدون أن يشمل الاستفتاء هذه المناطق التي يوجد فيها الأكراد ضمن نسيج عربي أو تركماني، ولكن مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان قال قبل فترة (من الحدود - ويعني حدود إقليم كردستان - رسمتها الدماء)، ويعني أن قوات البشمركة التي توجد في هذه المناطق، وتسيطر عليها، خاصة في كركوك وسنجار وسهل نينوى، بل تدير البشمركة الأمن فيها، ويشكل الأكراد النسبة الكبرى في الإدارات الحكومية. ويستعد الإقليم الكردي بعد الاستفتاء الذي سينتهي بنعم للاستقلال إلى ضم هذه المناطق إلى الإقليم، وبالذات كركوك والمناطق التي تشكِّل أجزاء كبيرة في محافظة نينوى وصلاح الدين وديالى، وهو ما سيثير حكومة بغداد والعرب والتركمان معًا؛ ما يهدِّد باندلاع معارك، وربما حرب طويلة بين هذه الأطراف التي ستحظى بدعم ومشاركة علنية أو خفية من تركيا وإيران؛ ما يهدِّد بتلاشي حلم الأكراد بعودة دولة مهاباد الكردية، وربما القضاء على الوضع الحالي للأكراد في العراق، وربما سوريا.