د. محمد عبدالله العوين
لا أريد أن أكتب مقالاً عاطفيًّا فحسب ونحن نتذكر ما حدث من كفاح وبناء وحروب تأسيس ومقاومة بطولية للغزاة والمتآمرين خلال ثلاثمائة عام تقريبًا، ولكن أود تأكيد حقيقة، لا بد أن تظل حاضرة في أذهان الأجيال الجديدة، هي:
إننا قبائل وأبناء شبه الجزيرة العربية لم يكن لنا دولة واحدة تضمنا، وترفع راية لنا، وتبني لنا مدنًا وحضارة وتعليمًا ومجدًا سياسيًّا؛ بل كنا تابعين كإمارات متفرقة وولايات وقرى متنافرة للخلافات الإسلامية التي تكونت منذ عام 41هـ في دمشق وبغداد والقاهرة وإسطنبول إلى أن هيأ الله الأمر للإمام محمد بن سعود؛ فقامت لنا دولة لأول مرة في تاريخ العرب والمسلمين. كنا مجرد خزان بشري، يضخ القادة والعلماء والشعراء والموهوبين لخدمة الخلافات العربية والإسلامية، ولكنهم - مع الأسف الشديد - أهملونا. وأبناء قبائل الجزيرة هم من قاد الفتوح، وحمى ممالك الخلافات.
هذا المجد العظيم الذي بناه الأئمة من أسرة آل سعود الكريمة مع الرجال المخلصين من أبناء الجزيرة لقيام أول دولة لنا، تبني وتنشئ حضارة عربية إسلامية بطراز فريد في قلب العروبة والإسلام التي نسيها التاريخ قرونًا طويلة، يستوجب منا أن نذود عنها، وأن نتعاون جميعًا على رفعة شأنها، وحمايتها، وصد كيد الحاقدين والحاسدين والفاسدين الذين يتقولون ويتكاذبون، ويؤلفون القصص وينسجون الحكايات الضالة المضللة مستخدمين ما أتاحته تقنية التواصل والاتصال من سهولة البث ويسر مخاطبة الناس.
نحن بلا دولة لن نكون شيئًا. ونحن بلا قيادة مشتتون ضائعون. ونحن بلا تاريخ مجيد، ننطلق منه، ونفيد من الدروس العظات، لن نقوى على عبور المستقبل. ونحن بلا جهد وبذل طاقة فكرية متزنة وواعية لرسم ملامح تشكلنا الحضاري المنطلق من رسالة الإسلام السمحة العظيمة، ومن خلق وشيم العرب الأصيلة الموروثة، ومن بطولات وكرائم أخلاق الآباء والأجداد، لن نكون كما نطمح ونتمنى.
ميزة هذه البلاد المباركة أنها تتوافر على مقومات بناء حضارة فريدة من نوعها، قد لا تتوافر لشعب من الشعوب في قارة أو جغرافيا أخرى؛ فنحن نتشرف أولاً بأننا أول من آمن بعقيدة الإسلام، وأول من جاهد وناصر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ثم نحن أول من قاد الجيوش العربية الفاتحة، ثم نحن موطن واصل اللغة العربية وتراثها الإبداعي في الشعر والنثر وما تضمنته من قيم وأخلاق وفروسية نبيلة وعواطف إنسانية سامية، ثم إن أرضنا الخيرة المباركة هي موطن الإلهام والشعر والنبوغ والفصاحة والفكر المتقد العبقري كما هو محفوظ متداوَل في الموروث الشعري والنثري من تراثنا الأدبي الذي ما زلنا مقصرين في درسه ونشره بلغات العالم الحية؛ لتعرفنا شعوب الأرض على حقيقتنا كما هي، لا كما يروجها الشعوبيون الكارهون كالفرس وغيرهم.
من شبه الجزيرة العربية، وبالتحديد من أرض الحجاز، انطلقت رسالة الإسلام السمحة، وانطلقت منها أيضًا قيم وشيم العرب، وقاد أبناء القبائل العربية مسيرة بناء المجد العربي الإسلامي الأول الذي امتد من حدود الصين شرقًا إلى ما وراء جبال البرانس في فرنسا غربًا. وحقّ لنا اليوم أن تعود القيادة والريادة إلى موطن انبعاثها الأول في شبه الجزيرة العربية التي تتمثل الآن في أول دولة مجيدة فيها، هي المملكة العربية السعودية.
لقد كنا مشتتين تائهين ممزقين متنافرين فاجتمعنا تحت راية واحدة وقيادة واحدة وأهداف سامية واحدة، بعد أن ضيعتنا الممالك والعواصم العربية الإسلامية في دمشق وبغداد، ونسيتنا أكثر من ألف عام.
أنا لا أقول سبعة وثمانين عامًا من التوحد والمجد والعزة والفخار فحسب؛ بل هي مائة وعشرون عامًا منذ استعادة الرياض 1319هـ. لا؛ بل هي ثلاثمائة عام منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1157هـ.
تناضل الشعوب في قارات الدنيا من أجل قيام «كيان» لهم، يحمل اسمهم، ويرفع رايتهم، ويخلقون - أحيانًا - من لا شيء شيئًا؛ لتكون لهم أمجاد وقيم وإبداع، يتفاخرون به. أما نحن فلا يجهدنا البحث ولا التنقيب عن سِجل بطولات ومفاخر وأسماء قادة ومبدعين ورموز في الفكر أو الإبداع؛ بل توافر لنا - ولله الحمد - كل مقومات النهضة والتحضر بعد أن تكاملت مسيرة التأسيس والبناء خلال ثلاثة قرون من المجد.