ناصر الصِرامي
في ربيعه الخامس عشر.. بدا مبتهجاً مسروراً، قال لي: «هذا أحسن وأجمل يوم لوطني شفته»،
قلت له: «هو كذلك.. هي القفزة الكبرى بيوم وطن، لم يسبق لنا أن احتفلنا في مراهقتنا وحتى شبابنا بالفرح والابتهاج والحياة والوطن ، هكذا دون خوف، أكثر الأشياء كانت محرمة وممنوعة!».
كان مستغرباً من حالة التصحر التي عشناها، كانت حواجبه من الدهشة تصل إلى أطراف شعر رأسه!
* مواطن خليجي أو إعلامي -إذا يهمك أن تعرف- من عقد الستين يقترب، قال لي: «أهنئكم على هذا الوطن الاستثنائي، على الفرحة الكبرى، على اللوحة الوطنية المبهرة والمدهشة، تستاهلون الفرح، تستاهلكم العزة».
- «الحمد لله، ولعل الفرح السعودي الأجمل في القادم دائماً بإذن الله» علقت.
- أين مظاهر الفرح هذي من زمان؟ سألني
« يا صاحبي كان فرحاً خجولاً جداً جداً ، أو كان ممنوعاً في ثقافة الخوف وخطابات الصحويين الدينية» أجبته باقتضاب.
والحقيقة أنا لا أحد يصدق أنه وإلى سنوات قليلة ماضية لم يكن مسموحاً لنا بإجازة في اليوم الوطني، لم يكن مسموحاً لنا رفع الأعلام والأغاني الوطنية حتى في سياراتنا؟، لم يكن الحديث عن «عيد وطني» جائزاً ومقبولاً.
كانت احتفالاتنا لا تتجاوز أفلاماً وثائقية مللنا من تكرارها، هكذا عاش جيلي مراهقتهم وبداية شبابهم، في جفاف حاد من الفرح والابتسامة والاحتفال - أي احتفال كان -، حتى حفل تخرجنا من الجامعة لم يكن يسمح فيها التيار الصحوي الذي أغلق كل منافذ وزين الحياة، لم يكن مسموحاً بالنشيد الوطني -السلام الملكي- لأنه يحمل أنغاماً موسيقية!
هكذا عاش جيلي، مستسلماً للروتين والكآبة، فيما الخطاب الديني المتشدد يتحكم بكل المفاصل من البيت للمدرسة للحارة، يرهب ويتوعد بكل منابره وأسلحته المتوفرة، كانت الحياة عبارة عن مشهد واحد متكرر للتجنيد والتحشيد لصالح هذا التيار الديني أو ذاك، والتي كانت تتنافس في انغلاقها.
هذا الأسبوع بدأناه باحتفالات استثنائية بالفعل لوطن تأسس عظيماً وسيبقي كذلك، احتفلنا بكل مدينة وحارة وقرية وهجرة، كانت أنغام الوطن وأشجانه وإيقاعاته غاية في الجمال والروعة. ولم يحدث حادث واحد والحمد لله، ولم تحصل لقطة تحرُّش واحدة، بل وسقطت فزاعة المتطرفين بأنّ الشباب السعودي عبارة عن مجموعة ذئاب بشرية ستهجم على أي شكل على هيئة امرأة.
لم يحدث شيء من كل ذلك الخيال المريض،كان جموع الشباب والعائلات والبنات تتنقل بسلاسة بين مواقع المناسبات، كانت الكاميرات وشبكات التواصل الاجتماعي تنقل لنا أولاً بأول كل تفاصيل الفرح الخضراء.
بينما نتابع الاحتفالات من أكثر من شاشة، همست لزميلي ونحن نخطو سوياً بداية الأربعينات:
«.. المفروض نرفع دعوى تعويض عن ما فات من مراهقتنا، وبعض سنوات شبابنا، ضد دعاة ما سمِّي «بالصحوة»، ونطالب ببعض ما جنوه من عشرات الملايين وحياة الرفاهية، عوضاً عن ما أهدروه من سنوات عمرنا في جفاف وترهيب وخوف وتصحر تام، فيما ثرواتهم تتضخم باسم الله والدين!»
«فكرة جهنمية... بس بتلاقي محامي أو قاضي ينظر في القضية؟!» - سألني
أجبته: «ترى أمزح... ولكن...».
كل عام وفرحنا بوطننا أكثر صخباً وتحدياً للحياة!