فضل بن سعد البوعينين
سبعة وثمانون عامًا من البناء والنماء؛ بدأها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ -رحمه الله-؛ الذي وحد المملكة وأرسى قواعدها الجغرافية، السياسية، الأمنية، المجتمعية والاقتصادية. شكلت اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط الموقعة في عام 1933م، بين حكومة المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا بداية الاقتصاد السعودي ونقطة تحول المجتمع. وعلى الرغم من أهمية الإيرادات المالية لإدارة شؤون الدولة حديثة التكوين؛ إلا أن أهمية الجانب المالي لم تمنع الملك عبدالعزيز من التفكير في الجانب التنموي لإرساء متطلبات التحول من مجتمع البادية والقرى المتناثرة إلى المجتمع المدني المترابط القادر على حمل مسؤولية بناء المجتمع وتعزيز قدرات الدولة؛ البشرية والتنموية والاقتصادية.
حيث ركز الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من خلال مفاوضات امتياز التنقيب عن النفط على التوظيف والتعليم والعلاج للسعوديين المنضمين للشركة؛ بحيث تقدم الوظيفة لسعوديين بمعزل عن قدراتهم الفنية والتعليمية؛ والقيام بتدريبهم وتمكينهم من الوظائف وتوفير العلاج لهم ولأسرهم وهذا ما حدث بالفعل؛ حتى أن بعض الأجداد كان يتحدث الإنجليزية ويتقنها قراءة وكتابة في الوقت الذي كان يجهل فيه القراءة والكتابة بالعربية.
علاقة الدولة بإيرادات النفط علاقة أزلية؛ جميلة في مخرجاتها؛ متينة في حاضرها؛ ضبابية في مستقبلها؛ وهذا ما حمل خادم الحرمين الشريفين على اتخاذ قرار إعادة هيكلة الاقتصاد ووضع إستراتيجية قادرة على تحقيق التنوع الأمثل للاقتصاد وبما يسهم في تنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستقرار المالي الذي لا يمكن تحقيقه متى شكلت الإيرادات النفطية المصدر الوحيد للدخل الحكومي.
جاءت رؤية المملكة 2030 لتحقيق الأهداف التنموية وتنويع مصادر الاقتصاد، والاستثمار الأمثل للموارد وبما يسهم في تنويع مصادر الدخل الحكومي. وبعد مرور عامين على إطلاق الرؤية نجد أن بعض ملامح أهدافها الرئيسة قد تبلورت وأصبحت واضحة للعيان. وهذا لا يمنع من القول بوجود بعض التحديات ما استوجب مراجعة الأهداف وإعادة ترتيبها لتجنب المخاطر وتعزيز المكاسب ومساعدة الاقتصاد الكلي والمجتمع على استيعاب التغير المفاجئ وبرامج التحول.
ويأتي صندوق الاستثمارات العامة من بين الركائز الرئيسة التي بدأت في التبلور والوضوح خاصة ما ارتبط منها بالاستثمارات المحلية التي دمجت بين هدف تنمية أصول الصندوق وعائداته وبين التنمية المحلية ورفع مساهمة بعض القطاعات المهمشة في الناتج الإجمالي المحلي. دخول الصندوق كمستثمر رئيس في قطاع السياحة والترفيه سيرفع من مساهمة القطاع ويرسي قواعده الأساسية الجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية في المناطق المستهدفة التي حظيت بمشروعات ضخمة كـ «مشروع القدية» في الرياض و»مشروع البحر الأحمر». الأمر عينه ينطبق على بعض الاستثمارات الخارجية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة والمنتجات الرقمية والشبكات الإلكترونية.
ومن بين أهداف تنويع مصادر الاقتصاد والتركيز على الصناعة نجد أن شراكة أرامكو السعودية الإستراتيجية مع شركات عالمية للبدء في تنفيذ مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية من أهم المشروعات المحققة لأهداف مختلفة من مضامين الرؤية ومنها خلق قطاع صناعي جديد وتوليد الوظائف والفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة ودعم الخدمات اللوجستية التي يمكن للمملكة أن تكون رائدة فيها على الخليج العربي والبحر الأحمر.
وتأتي الصناعات الحربية ضمن الصناعات الإستراتيجية المهمة التي بدأت في التبلور التدريجي من خلال شراكات صندوق الاستثمارات العامة وبعض الشركات العالمية الرائدة في الصناعات الحربية بأنواعها.. توقيع السعودية اتفاقيات تأسيس خمس شركات متخصصة في مجال الطائرات العسكرية والمدنية والأقمار الصناعية والطاقة النظيفة؛ يعزز أهداف الرؤية الرامية لتوطين الصناعة ونقل التقنيات الحديثة وفق رؤية استثمارية محفزة للشركات العالمية وداعمة للأهداف الحكومية.
لن تخلو البدايات من التحديات الكبرى التي قد تبطيء في تحقيق الأهداف الطموحة؛ غير أن الإصرار والعمل الجاد وفق رؤية إستراتيجية وطنية شاملة ومنظومة عمل مؤطرة ببرامج ملزمة؛ وتشريعات وقوانين شفافة ومعززة للنزاهة؛ وأدوات قياس علمية؛ سيقود إلى تحقيق النتائج الإيجابية؛ بإذن الله.
عام بعد آخر نحتفي باليوم الوطني؛ وملحمة التاريخ الخالدة؛ وما سطره الملك عبدالعزيز وأبناؤه البررة من بعده من تضحيات؛ وما قدموه من مشروعات الخير والنماء؛ وما أتمناه في هذا اليوم المبارك أن يتحول اليوم الوطني إلى مؤشر إنجاز لجميع القطاعات الحكومية تقدم من خلاله إنجازاتها السنوية وما حققته للوطن والمواطنين.