د. خيرية السقاف
حين نفرح فإننا كالأطفال، نكركر كثيرا, نركض في كل اتجاه, تعلو أصواتنا, نتبادل المرح بكرات الثلج, وأقداح الماء..
نلقي على بعضنا بالذي أمامنا من منثور اللوز, والجوز, والزبيب..
لا نتردد في أن نلكز بعضنا بقبضتنا, بمعنى أننا نُخرج كل الذي في جوفنا, كأننا نعيد ترتيب دواخلنا لحظة الفرح, لتعود فارغة من همٍ لحق بها, أو كرب نزل فيها, مطهرة من حزن عمّر, أوكآبة حلت..
حين نفرح نُفرغ أذهاننا من فكرة تطغى عن مأزق يمر, أو مشكلة تتعقد, أو موقف يشد بحباله..
نُخرج قلقنا بإطمئناننا بفرحنا ناسين, ومتناسين همومنا, وأحزاننا, وحاجاتنا, ومشكلاتنا, وضائقاتنا حين نفرح, وتحديدا حين نجتمع بفرح..
نحن وطن يتحرك فينا بفطرتنا, صنعناه بحسنا, وأفكارنا, جعلناه ذرة طين في تكويننا, وقطرة دم في عروقنا, وطبيعةً تطفح بكلِّها من جوفنا حين نقف في حيِّز لقاء مع بعضنا, فنكون ذواتنا, بنفوسها الغامرة بالبشر, أو حتى بالحزن معا..
هكذا كنا ليلة أمس الأول حين خرجنا فرحين بيومنا, بنا في وطننا, وبوطننا فينا..
وقد كنتُ قد قلت, ولا أزال أكرر في كل يوم وطني منذ حلَّ هذا القلم بين عيونكم: إن الوطن هو الفرد منا, وإنه كلنُّا الذي ينبض فينا..
في يومنا هذا الذي كان أول أمس الأول, يوم الوطن, خرج الوطن بفطرة ذواته, يمرحون بأصواتهم المرتفعة, يتناكبون بكتوفهم المتقاربة, يلقون على بعضهم أصواتَهم المتداخلة, فرحين حدّ الفوضى, صاخبين حد النسيان لوقار كان يتلبسهم..
وفي جانب آخر كان منا المتزنون الذين يشبهون آباءنا الكبار, وأمهاتنا الرزينات حين يعبرون عن فرحهم بابتسامة, وعن حزنهم بصمت..
الشاهد أننا فرحنا كثيرا بنا, بوطننا الذي فينا حدًا لم يحدث من قبل..
عدنا فيه للطفولة بكل انفراطها, وبراءتها, وفطرتها..
فليسعد الله الوطن فينا, وبنا..
وليسعدنا به فينا شامخا محركا للسعادة, معطاءً بلا حدود..