علي بن إبراهيم الحبيب
عزيزي القارئ الكريم قد لا نجد تعريفاً يوصف به البعض ممن وقعوا مستنقعاً لذلك الداء غير أن الخيانة صفة نكرة لمن خان الأمانة والعهد فباء بغضب على غضب، هي جريمة بشعة ووصمة عار تلاحق صاحبها، أينما حل وارتحل وللخيانة أوجه مختلفة ومتعددة، لكن عندما يتعلق الأمر بالجار لا فرق بين الخطأ والخيانة لأن النتيجة واحدة، وتلك الخيانة لا تغتفر ومن يقدم عليها يستحق أقصى العقوبات، ثمنها كبير يجب أن يتحمل عبئه من باع ضميره وأدار ظهره للجار والعهد وعمل على أقل درجات الخلق الكريم، وخير مثال على ذلك هو انغماس قطر في مستنقع التآمر ومعاداة الدول الجارة والصديقة والعربية وكل ذلك يتجلى ويظهر يومًا بعد يوم بخطى ارتجالية طائشة غير محسوبة، بل وبعشوائية تلطخ سمعتها أكثر مما آلت إليه، حدث كل ذلك أمام أعين واسماع العالم بأكمله بعد انكشاف العديد من الوثائق والتسجيلات التي تؤكد تورطها - أي قطر - في دعم وتمويل الإرهاب، وتدبيرها للأعمال الخبيثة التي تهدف من ورائها زعزعة أمن واستقرار الدول الشقيقة في المنطقة الخليجية والعربية وخصوصا حاضنة العرب والمسلمين بل العالم المملكة العربية السعودية، وإسقاط أنظمتها الحاكمة عن طريق تأليب الرأي العام ضدها وإحاكة التدابير من ورائها. إن ما تفعله الدوحة في تحركاتها الممتدة لعشرين عاما في أطر عديدة بقيادة نظام الحمدين، إنما هو لإثارة الفتن في الشعوب العربية وتفتيت الأمة وهدم الدول، ولم تكتف إمارة الإرهاب بدورها التخريبي والتحريضي بدعم الجماعات الإرهابية الذي أشعل النار في عدة دول عربية كان حصيلتها الدمار والخراب مثل ليبيا وسوريا، لكنها انجرفت إلى محاولات أخرى وهي شق صف الوحدة الوطنية بين الشعوب وحكامهم في دول الخليج في سابقة خطيرة امتدت إلى ما بعد حكم الحمدين واللذين كانا يقودان هذا الحراك الآثم، فالحقيقة أنه لا فرق بين اعتداء العراق بغزوه للكويت وخطط حكومة قطر الإرهابية على جاراتها من دول الخليج، المحصلة واحدة زعزعة الأمن والاستقرار، العراقي صدام حسين أعلن علانية بأن يكون "عدوا" لتحذر منه الدول الخليجية بقيادة المملكة العربية السعودية والتي بدورها جرعته الهزيمة بتحرير الكويت وذلك إيماناً منها بمبدأ الأخوة ووحدة الصف الخليجي والعربي والإسلامي، بينما الحكومة في دولة قطر تظهر لجيرانها عكس ما تبطن بادعائها بأنها صديقة وفي السر هي الخائن العدو الذي يلبس ثوب الصديق ليطعن الجيان من الخلف، فإن أخطر "الأعداء" من لا يعترف بأنه عدوك لكي لا تحذر منه ليستغل ثقتك وحسن نواياك ليكسب الوقت حتى يحقق أهدافه الخبيثة، فما قامت به الدول المقاطعة الأربع من إجراءات سياسية واقتصادية والتي أعلنته لهو أمر طبيعي لأن السعودية، البحرين، والإمارات، ومصر أعلنت بأن النظام الإرهابي في قطر عدو حقيقي ولم يعد أخاً ولا تجب معه حسن النوايا، هذه المصارحة السياسية هي أول الحلول لعلاج الأزمة بأن تضع الأمور في نصابها دون مجاملة. إن الخاسر الأكبر في ظل هذه الأزمة هي دولة قطر التي سقطت في شر أعمالها مع دول الجوار والدول الصديقة، هذه المرة لن ترضى دول الخليج العربي بمسكنات لعلاج الأزمة كما حدث في عام 2014م أثناء سحب السفراء، لا شيء يعالج القضية إلا أن تلتزم قطر بمطالب جيرانها التي تصب في مصلحة الجميع ومنها قطر نفسها لأن مستقبلها مرهون بأن تعود للحضن الخليجي وليس دعمها للإرهاب والتطرف، وإما البتر تحقيقاً لعدم تفشي ذاك الداء القاتل. حقيقةً إن هناك ثمة مشكلة لدى صناع القرار في الداخل القطري وهي أن قطر على مدى سنوات طويلة باتت تستخدم أسلوب صناعة العدو للسيطرة على الأوضاع في المنطقة العربية أو على الأقل أن تكون لاعباً رئيسياً في صناعة السياسات بها، لكنها فشلت في أن تصنع لنفسها مكانة رفيعة تُحترم بين الدول العربية، وعجزت عن أن تقترب من مكانة المملكة العربية السعودية أو مصر أو الإمارات في إدارة القضايا العربية، وإن الخطأ الرهيب الذي وقعت فيه قطر أنها لم تستوعب أن ليس لها تاريخ في العسكرية والدفاع عن قضايا الأمن القومي العربي يجعلها بلدا ذا مكانة يخشى منها، وأن لها قوة باطشة ترهب، فالمتابع للسياسة القطرية العوجاء يجد أنها عملت بكل ما أوتيت من قوة المال الهادر من حقول وبراميل البترول على الإنفاق ببذخ ظاهر في تعاملاتها الخارجية المشبوهة، وعمدت إلى إجراء تحالفات سياسية واقتصادية قائمة على الشراكة مع إسرائيل دون أن تراعي أي توازنات إستراتيجية في المنطقة أو مصالح عربية، وظلت تعمل في الخفاء والعلن من أجل تحقيق هدف رئيسي أن تكون قوة إقليمية في المنطقة بأي ثمن كان تستطيع من خلالها لعب دور اللاعب الإقليمي الرئيس في المنطقة. وعلى الصعيد الإعلامي لجأت قطر لاستخدام قناة الجزيرة في التهديد الإعلامي والسياسي للإيهام بالقوة وإلى تفرقة الشعوب عن حكامها، وبث مزيد من خطاب الكراهية في العالم العربي والسلامي، فالمتابع للتاريخ السياسي الحديث في المنطقة العربية يجد بأنه لا يوجد دولة حديثة غرقت في بحر الغدر والخيانة من أجل الوصول للمقعد الأوحد في صناعة القرار العربي كما حدث في دويلة قطر الخليجية المحدودة، التي لا يتخطى عمرها السياسي ككيان الخمسين عاماً. وفِي الجانب الآخر وفِي خضم هذه الأزمة وبأفعال الكبار ومع قلب سلمان - أيده الله بنصره - النابض بالحب والوفاء قائد الأمة وزعيمها خادم الحرمين الشريفين حامل هموم أمته وهو يشمل بعطفه وإنسانيته شعب قطر الشقيق، لا جديد فالشهامة والمروءة ديدن قاداتنا منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- حتى أوصلت بلاد الحرمين أن الشعب القطري هو امتداد طبيعي وأصيل لإخوانه في المملكة العربية السعودية، حفظ الله بلاد الحرمين من شر الأشرار وكيد الفجار.