عبدالوهاب الفايز
هذا العام كان الاحتفال باليوم الوطني استثنائيًّا؛ استطاع الناس التعبير عن حبهم لوطنهم بما يستحقه. والأمر المفرح نجده في المبادرات الخاصة من العائلات ومن أصحاب المحال والمطاعم والأسواق. والأمر يفرحنا لأن هؤلاء بادروا من أنفسهم. لقد تحول اليوم الوطني إلى حالة احتفاء وفرح. والجميل أن النساء كنَّ الأكثر ابتهاجًا والأكثر إبداعًا في المبادرة. وكنا نقول دائمًا إن الأفراح والأتراح تكشف لنا مدى اعتزاز الناس ببلادها، وخوفهم على أمنها.
هذا الخوف رأيناه في سلوك الناس؛ فقد مرت الاحتفالات الكبرى ومختلف الأنشطة بسلام، وكما تم الاستعداد لها؛ ففي جميع مناطق المملكة شارك الناس بالأنشطة المتنوعة بصورة سلمية؛ تكشف حبهم الصادق لوطنهم، وتعكس مدى استعدادهم نفسيًّا وفكريًّا لتقديم الصورة الإيجابية للمواطن المستعد لأن يكون في سياق البناء والسلام الاجتماعي.
والذي ساعد على بروز هذا السلوك الإيجابي هذا العام، بعكس ما حدث من أمور سلبية في أعوام مضت، هو استعداد الأجهزة الحكومية والخاصة للاحتفاء باليوم الوطني؛ فقد كانت مبادِرة ومستعدة لإنجاح المناسبة عبر التنظيم والتجهيز وتهيئة البيئة المناسبة؛ لكي تفرح الناس، ولا يتحول فرحها إلى إرباك لحياة الناس وإزعاج السلطات الأمنية. وهذا درس واقعي لأهمية أداء الحكومات، ومدى قدرتها على تهيئة الظروف المثلى لإحياء وبناء السلوك الإيجابي للمواطن؛ فالناس تستجيب للقوالب والمسارات التي تضعها الحكومات إذا كانت هذه المسارات بُنيت على تحقيق العدل والمساواة بين الناس.
وهذا الدرس الذي رأيناه هو الذي نتمنى الاستفادة منه لإطلاق مشاريع التربية الوطنية التي تُنتج المواطن الصالح. استثمار حالة الإقبال الكبير على الوطن يعني استعداد الناس الكبير للقبول والتفاعل مع أية جهود حكومية لإطلاق مشاريع للتربية الوطنية. لا نريد اليوم الوطني يكون فقط مناسبة فرح عابرة؛ نريده منصة لإطلاق مشاريع معدَّة ومصمَّمة بصورة احترافية، تستمد قوة اندفاعها من عزم ورؤية الملك سلمان لإحداث تحوُّل نوعي وتطوُّر، يستجيب لاحتياجات الناس، ويلبي تطلعات الأجيال الجديدة.
مما نتمناه - كمشروع وطني - هو مبادرة وزارة التعليم لاستثمار المؤسسات التعليمية لإدراج أنشطة غير صفية لبناء المواطن الصالح، مثل تعليم الطلاب أهمية وضرورة احترام النظام، مثل التدريب على الوقوف في الطابور، وعدم تجاوز حقوق الآخرين، وتحويل هذا السلوك إلى قيمة إنسانية راقية، يعتز الطالب بممارستها، والدفاع عنها، ويحث عليها. المؤسف أن المدارس ابتعدت عن التربية في أنشطتها. وما نراه ونسمع عنه من أنشطة في هذا الإطار فإنها غالبًا ثمرة مبادرات فردية للمعلمين والمعلمات، ويعانون ويتعبون في سبيلها، وربما لا يُشكرون عليها!
أيضًا التربية الوطنية نحتاج إليها لإطلاق برنامج تربية وطنية للسلامة المرورية، يعزز السلوك والممارسات الحضارية في الطريق. والحكومة إذا لم تتبنَّ برامج للتربية المرورية، تساعد الناس على السلوك السوي الذي يجعل القيادة أكثر أمانًا وسلامة، فسوف تستمر حالة التدهور، وننتقل إلى الفوضى التي نخشاها. نتمنى أن يكون اليوم الوطني فرصة لإطلاق برنامج للتربية المرورية، يدرِّب قائد المركبة على أن يكون مواطنًا صالحًا، يقدِّر حقوق الآخرين، ويحترم مشاعرهم، ويحرص على سلامتهم، ويكون قدوة لغيره. وربما يأتي في مقدمة احتياجاتنا المسكوت عنها، التي نجهل خطورتها على استقرارنا، ضرورة إطلاق برنامج للتربية الوطنية، (يحارب) مشكلة السهر. عدم النوم الكافي له آثاره العديدة على القدرة الإنتاجية للمجتمع.. ولن نتحول إلى تنمية الموارد وإنتاج الثروة إذا ظلت حياتنا الاجتماعية بهذه الفوضى الخلاقة في تبديد الموارد. ومحاربة السهر أهم لمستقبلنا من تخصيص أرامكو، بل العائد الإنتاجي للمجتمع ربما يكون ضِعف ما سوف نجنيه من تخصيص أرامكو.. وغيرها من المشروعات الكبرى. والتكلفة المالية للسهر واضطرابات النوم كبيرة جدًّا؛ فلها آثارها النفسية نتيجة ارتفاع الضغوط، وسوء إدارة الوقت.. وهي من أسباب انتشار البدانة، وسبب مباشر لأمراض الجهاز الهضمي، وبخاصة ارتجاع المريء، وتحرم المخ من فرصة حيوية لتجدده.
باختصار: ما نرجوه هو أن يكون اليوم الوطني فرصة سنوية لإطلاق مشاريع التربية الوطنية المستدامة، وليس مجرد حالة فرح عابرة.