هدى بنت فهد المعجل
وأنا أقلّب دفتر ملخصاتي لكتب قرأتها مرت بي «السيدة نبوية موسى» 1886-1951. عفواً أقصد مر بي كلام كتبته عنها الدفتر، أو لخصته يقول: رفضت العائلة تعليمها، احتالت لتخطي هذه العقبة المباشرة، ووجهت بسخرية شديدة من المجتمع من أجل ثنيها عما تطمح إليه، تقدمت لإجراء امتحان البكالوريا (الثانوي) فتعاملت معها السلطات الاستعمارية بطريقة فجة تخالف مبادئها المعلنة، شهروا بها، سخر منها المستشار البريطاني للتعليم (دنلوب) علناً.
لم تكن هناك في الأصل مدرسة ثانوية للبنات، اضطرت لأداء امتحانها في غرفة خاصة ملحقة بمدارس الذكور، وسط معارضتهم لها واستغرابهم نالت درجة البكالوريا في 1907، «أي في عمر 21 عاماً».
بعد ذلك لم تنل أي طالبة مصرية البكالوريا إلا في عام 1927م. حالت السلطات الاستعمارية دون التحاق (نبوية موسى) بالجامعة التي ظلت حكراً على الرجال لعقدين.
اجتزأت هذا الملخص القصير من خلاصة قراءتي لكتاب [السردية العربية الحديثة.. د. عبد الله إبراهيم]. بمعنى أن الكتاب غير معني عناية خاصة بنبوية موسى، إنما بالسردية العربية، والسرد جزء من المنظومة التعليمية، نظراً لاعتماده على الكتابة والقراءة، بعد انتقاله من زمن السير الشعبية الكبرى كسيف بن ذي يزن والظاهر بيبرس وغيرها التي على أساسها أحصيت المقاهي في مصر في نهاية القرن 19 التي تعمر بعضها مجالس القص قرابة عشرة آلاف مقهى ولسماع الرباب من الشعراء والسير.
نعود لنبوية موسى وسجلها الحافل برحلة كفاح طمعاً في التعلم بالتالي التعليم.
ولدت بكفر الحكما بندر الزقازيق محافظة الشرقية بمصر لأب ضابط بالجيش المصري سافر إلى السودان قبل مولدها بشهرين ولم يعد من هناك، بمعنى نشأت يتيمة. عاشت في القاهرة مع شقيقها «محمد» الذي أصبح فيما بعد وكيلا للنيابة في مدينة الفيوم.
حفظت القصائد التي يرددها شقيقها «محمد»، وعلمت نفسها مبادئ الحساب، وعلمها أخوها ألف باء اللغة الإنجليزية، ثم أصرت على الالتحاق بالتعليم المدرسي وهو لم يكن مقبولا أو مستساغاً اجتماعيا في بدء القرن العشرين، ورأت والدتها أن التحاقها بالمدرسة خروج عن قواعد الأدب والحياء ومروق عن التربية والدين. امتلكت شجاعة مكنتها من التمرد على الثوابت والخروج عن المألوف لتحقيق آمالها وطموحاتها وتطلعاتها، عندما لم يقنعها التعليم التي تلقته في المنزل فتطلعت لما هو أعلى من ذلك حتى حصلت على دبلوم المعلمات.
واصلت تحدياتها لتصبح أول سيدة تشغل وظيفة ناظرة مدرسة.
ناضلت حتى جعلت تعليم البنات في مصر أمراً طبيعياً وضرورياً، ففي السابق لم تكن الأسر المصرية تولي اهتماماً بتعليم الإناث، وإن حدث وألحقوهن بالمدارس فالنسبة الغالبة منهن لا يستكملن تعليمهن.
جعلت قضية تعليم المرأة أهم قضاياها، إذ كانت ترى أن ذلك هو السبيل الوحيد لخلق جيل واع من الإناث، يدرك ما عليه من واجبات وكذلك يعرف ما له من حقوق.
نبوية موسى كانت من رعاة الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية.
ورعاة كثيرات غيرها عندما تركت خلفها تاريخاً حافلاً بإنجازاتها وتحدياتها مكرسة نفسها وطاقتها وقدراتها من أجل المرأة، تعليما وتثقيفا ودعما، التكريس الذي جعلها تلغي فكرة الزواج إلغاء نهائياً.