د. محمد عبدالله الخازم
لم تكن المسافات الشاسعة ولا اختلاف التوقيت بين كندا والوطن عائق عن معايشة التفاصيل. هذا العام عشت مظاهر الاحتفال في مدن متعددة من شارع التحلية في الرياض للواجهة البحرية في الخبر وجدة إلى قلعة عيرف في حائل ومسيرة الوطن في بلجرشي. تجولت بين مدن وطني ولمحت وجوه تشبه أحبتي وأنا بعيد عنهم بآلاف الأميال، وذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعية. لا عجب في ذلك فوسائل التواصل الاجتماعية تشكل قوة لا يستهان بها وتشير بعض الإحصائيات إلى هيمنة السعوديين عليها في المنطقة العربية، فحسب شركة «يس تو ديجتيل» المختصة في الإعلام الرقمي، فإن عدد مستخدمي تويتر في السعودية يزيد على عدد سكان قطر والبحرين والكويت مجتمعة. شكراً لوسائل التواصل التي عوضتنا غياب سفارتنا المعتاد في كندا عن الاحتفاء باليوم الوطني في موعده وكما نحب.
هذا العام لفت انتباهي كمية الفرح الطاغية في مظاهر الاحتفال، كان الفرح توأم الأخضر في الشوارع وفي واجهات المباني. راهنت الحكومة على وعي الشعب ففتحت قنوات جديدة للاحتفال لم تكن معتادة ولم يخذلها الشعب في قضية استغلها البعض لرفض كل جديد على المجتمع بحجة أن الشعب غير جاهز للتغيير. الشعب أثبت فعلياً أنه مستعد للتغيير متى ما أعطي الثقة! هذا العام احتفلت الأسرة سوياً بيوم الوطن وفتحت الملاعب للنساء لأول مرة، ليكون الوطن والاحتفاء به للجميع. تصدرت صور البطلات السعوديات المشاركات في الأولمبياد برج المملكة و تداولها مغردون، ربما شتمهن بعضهم قبل سنوات بحجة خروجهن عن العادات. هذا العام كانت السمة الواضحة فيه الحضور الطاغي للفن؛ فمن الاوركسترا التي أنتجتها مؤسسة مسك للعرضة السعودية مروراً بالمقاطع الفنية التي أنتجتها الشركات والمؤسسات وبرامج اليوتيوب وانتهاءً بتكريم مجموعة من الفنانين وعلى رأسهم الفنان القدير أبوبكر سالم في مشهد مؤثر. هذه رسالة مفادها أن السعوديين شعب محب للحياة والفنون.
لم يقتصر الاحتفال على السعوديين وحدهم فشاركهم المقيمون على هذه الأرض الاحتفالات من حضور في أماكن الاحتفال وحتى المشاركة باللباس وربما الرقص، واستقبلت مطارات الخليج المسافرين السعوديين بالإعلام والأغاني الوطنية وتلونت معالمها الرئيسية باللون الأخضر في بادرة لطيفة تزيد من ترابط شعوب المنطقة. بل فاجأني مقطع فيديو لعازفة كمان أجنبية تدندن النشيد الوطني السعودي وحظي المقطع بنسبة مشاهدة عالية وتفاعل لدرجة قام أحدهم بتزويدها بالنوتة لتتمكن من عزف النشيد لأنها كانت تعزف اعتماداً على حساسية أذنها.
كان هناك ممارسات مجتمعية إيجابية، نحتاج تعزيزها والإكثار منها نوعاً وكماً، كتنظيف مرافق عامة وزراعة شتلات في المدارس والبيوت. كمثال؛ أشيد بالمشاركة التي تمت بدعم إمارة عسير وشارك بها حوالي 40 مواطناً أصغرهم طفل في العاشرة لتنظيف سودة عسير، أعلى قمة في السعودية. توشح المشاركون الأخضر وبأيديهم وقلوبهم المحبة للوطن ازدانت بهم الأرض وابتهجت. وحتى لا نسرف في الإشادة، فحتماً رافق هذه الاحتفالات بعض المنغصات من ازدحام واختناق مروري وربما أخطاء في التنظيم وهذا أمر وارد لحداثة التجربة. نتمنى فقط تلافيها في المرات القادمة باعتبار التجربة خير مرشد للنواقص.
دمت لنا يا وطناً أخضر نأوي إليه.