د. خيرية السقاف
من الموغلات في الصميم, أن يمر بك موقف لم يكن في قائمة مهامك وأنت تدلف من باب بيتك إلى قلب المدينة, تغذ في شوارعها, تشهد حركتها النامية في عينيك, النابضة في جوفك, المُفْرِحة قلبَك, ثم لا تجد نفسك إلاّ وقد نسيت كل الذي خرجت من أجله, وبقيت في نشوة الذي صار..
هذا حدث معي يوم السبت القريب الماضي, أي في يومنا الذي نبضنا فيه معا ريَّانين بخضرة الوطن..
خرجت أتنسّم شذى الأعلام الخضراء, وأمتَّع ببديع زينة المدينة التي أحبها "الرياض" تلك التي كلما جئتها أو غادرتها ردّدت مع الشاعر: "بلدٌ يُنْبِتُ العزَّ موطني"..
رأيته يلتقط ما تناثر من المارين, ملبسه نظيف حد الكلام, ومظهره أنيق حدَّ الوسامة, يتشح بالأخضر, يلف عنقه بعلم الوطن, يتبسّم وهو ينقل عينيه تنظران في الحول من حوله..
توقفت ألقيت عليه السلام والكلام..
ما الذي تفعل هنا؟
قال: أعمل
قلت: أهي ساعات دوامك؟
أجاب بنعم..
لكنك ترتدي احتفالاً باليوم الوطني هنا؟
قال: نعم , وهو يهز رأسه, ويقول: أنا سائق في منزل أهله ذهبوا للاحتفال , تركوني فيه , منحوني حرية التصرف ليومين هي إجازتهم , قالوا لي: نحن في إجازة يوم الوطن, سنكون معاً, ولك حرية أن تبقى في حجرتك, أو أن تذهب تشاهد الاحتفال, إنهم طيبون جداً, كريمون يتعاملون معي بأخلاق عالية, كأنني فرد في العائلة حتى الطعام يقدمونه لي قبل أنفسهم, إذا مرضت يعالجونني ويسهرون على راحتي, وإذا تعبت لا يثقلون عليّ, أحببت السعودية لأنني أحبهم, اليوم مع الإجازة أعطوني نقوداً كفتني قيمة ملابسي هذه, أشعر أنني واحد منكم, أشعر بفرحكم لأنني أيضاً فرح جداً..
سألته كونه يحمل المقشة والوعاء , وهو ليس عمله؟
قال ما أدهشني: أفعل هذا بإرادتي, لم يطلب مني أحد ذلك, لكن الصغار كما ترين يقذفون بالبالونات المفرغة من الهواء, وأغلفة الحلوى, وهناك بعض أقداح ورقية ملقاة, أريد أن يكون الشارع نظيفاً لأنه يستحق أن يفرح اليوم معنا..
أي أنّ فرحة الشارع نظافته..
وأنّ شراكة الفرحة تعامل راقٍ..
وأنّ الانتماء للأوطان تكافل, وحب..
وأنّ الوطن إنسانية تجمع, وتستقطب, وتستميل..
ألقيت عليه تحيتي المشبعة بالسعادة ..
ومضيت ألضُمُ عُقداً جديداً لجِيدِ الوطن !!..