خالد بن حمد المالك
من يعرف الملك سلمان، ويضع نفسه في مكان المتتبع لآرائه، سوف لن يستغرب قراره بتمكين المرأة من قيادة مركبتها مسبوقة بالحصول على رخصة تسمح لها بذلك، ومن كان قريباً من الملك سلمان حين كان أميراً فولياً للعهد ثم ملكاً، لابد وأنه استمع إليه مدافعاً عن حقوق المرأة ومنتصراً لها، وداعياً لإنصافها وتحقيق مطالبها، ومن لم يكن بينه وبين الملك مسافة قريبة للتعرف على رؤاه من المؤكد أنه استمع من غيره لهذه العقلية المتفتحة، ولهذه الشخصية المبهرة في دفاعها وانتصارها ودعمها للمرأة السعودية في كل ما تطالب به من حقوق مشروعة، سابقاً بذلك في كثير من الأحيان صوته على صوتها في تحقيق هذه المطالب.
* *
فسلمان تاريخ إذا ما فتحت صفحاته، سنجده حاضراً في الانتصار للمرأة، مؤيداً ومتبنياً خطوات كثيرة في إنصافها ودعمها ووضعها في المكان والمكانة التي تستحقها، فهو إلى جانبها ومعها، حيث تدرس وتبتعث وتدخل الوظيفة وتتواجد في ميادين العمل، طبيبة ومهندسة ومحامية وعضوة في الشورى والمجالس البلدية ومديرة للجامعة وفي مراكز قيادية مهمة في الدولة، بما لا يمكن الحديث عن هذه وغيرها دون أن يقترن اسم سلمان وعمل سلمان ومواقف سلمان بها، فهو المواطن والأمير والملك الذي لا يغيب عن دور للمرأة يتطلب حضوره، ولا يختفي وهناك حاجة إلى صوته ورأيه وشجاعته.
* *
وعلى هذا الطريق، وبهذه الخطوات المحسوبة للملك سلمان، أخذ أخيراً بقرار أن تقود المرأة مركبتها، انتصر لها، بعد سنوات من الانتظار والتهيب والخوف والتخويف، فإذا به يقرر بعد أن حضّر للقرار متطلبات إنجاحه من العلماء أعضاء هيئة كبار العلماء، والتأكيد على أن الحكم الشرعي لقرار قيادة المرأة لمركبتها هو من حيث الأصل الإباحة، وأن من كان يتحفظ عليه تصب مرئياته في اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل إلى يقين ولا غلبة ظن، ومع ذلك فإنهم لا يرون مانعاً من قيادتها في ظل الضمانات الشرعية اللازمة لتلافي تلك الذرائع.
* *
إذاً فالملك سلمان أخذ بهذا القرار التاريخي المهم بعد أن أحاط بكل أسباب الإباحة والمنع، وتعرف على الجانب الشرعي في كل ذلك، وأنه توصل إلى هذا الموقف غير المسبوق من جميع ملوك المملكة الذين ربما لم يكن الوقت مناسباً في فترات حكمهم لمواجهة المجتمع بتحقيق ما كانوا يتطلعون إليه منذ زمن طويل، ولعل هذا القرار يلجم أفواه أعداء المملكة الذين كانوا يستخدمون منع المرأة من قيادة مركبتها منفذاً للإساءة إلى بلادنا، وتشويه صورتها، واتهامها بما هو باطل وغير صحيح عن موقفها غير الودي والإنساني من المرأة، وبصدور هذا القرار سوف لن تبقى للحاقدين حجة يتحججون بها للنيل من تعامل بلادنا الراقي مع مواطناتها، الأمر الذي يعزز التأييد لهذه الخطوة المهمة على طريق استكمال دعم المرأة السعودية وتحقيق مطالبها.
* *
كثير من الكلام سوف يقال عن هذا الإنجاز الملكي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولعضده وسنده ويده اليمنى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهو حدث مهم صدر وفق ضوابط شرعية ونظامية، بما لا حجة لمن يريد أن يشوهه باسم الدين والأخلاق كما هي عادة كل من يعادي الإصلاح والتطور في البلاد، فالمملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع قيادة المرأة لسيارتها، أي أنها تمنع من حق تتمتع به كل نساء العالم، وهناك من يتحدث عن خصوصيتها ليمنع البلاد من أي تطور ومن أي تغيير إيجابي يصب في مصلحة المواطنين والمواطنات.
* *
هذا القرار، إنما يعزز من قيمة المرأة التي تشكل جزءاً رئيساً لكونها نصف المجتمع في مسيرة الإصلاح والتنمية، مع حرص الملك وولي عهده على الثوابت المستندة على تعاليم الإسلام السمحة، وأن هناك إيمانا منهما بأهمية المرأة كجزء من المجتمع السعودي، وأن لهذا القرار فوائده الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وكما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن المملكة لن تعيش حقبة ما بعد 1979 والتي أسهمت ثورة الخميني المزعومة في التشدد وتعطيل مشاريع التنمية فيها، وهذا القرار سوف يخلصنا وإلى الأبد من هذه الحقبة السوداء في تاريخ الإنسانية، أي أن المملكة لن تكون بعد اليوم خارج سياق التاريخ، بعد أن تم إقرار قيادة المرأة لسيارتها، كما لن يستطيع المتشددون والقيادات الحزبية من تعطيل عجلة التقدم والازدهار التي يقودها سلمان ومحمد.
* *
هناك جهود جبارة وغير عادية بذلت منذ مبايعة الملك سلمان ملكاً للمملكة العربية السعودية، تخللتها نقاشات بين طلبة العلم والمفكرين والقيادة عملت على تعجيل هذا القرار لتأكدها من أهميته وضرورته، وكان رأيها بأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، كما أن الأغلبية الصامتة كلها تتفق مع القرار ومع رؤية القيادة في الانتقال بالمملكة إلى عنان السماء، مع اقتناع لدى الجميع بأن منع المرأة في الفترة الماضية كان لأسباب اجتماعية، وقد تم تجاوزها بهذا القرار، أي أن موافقة الملك - وإن تأخرت - جاءت لتمنح المزيد من الصلاحيات للمرأة للقيام بدورها المطلوب عبر تعزيز ثقافة المجتمع وثقته بقدرة المرأة، وتفعيل الأنظمة واللوائح التي من شأنها تسهيل مهمتها كعنصر فاعل في المجتمع ومن ضمن ذلك قيادة المرأة للسيارة.
* *
لقد كان من المعيب أن تكون المملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع قيادة المرأة لمركبتها، فيما المملكة ضمن مجموعة العشرين، وتمثل النساء 50% من سكان المملكة، ونسبة المرأة في مجلس الشورى هي الأعلى عالمياً مقارنة بالمجالس المماثلة، كما تشكل المرأة 50% من إجمالي مخرجات التعليم الجامعي، فكيف تمنع المرأة والحالة هكذا من قيادة سيارتها، وكيف وأمامنا هذه المعلومات نسمح بالوصاية على المرأة، والنظر لها على أنها بربع عقل كما يقول بذلك أحد المتشددين، لهذا فإن هذا القرار وقد سبقه السماح بممارسة النساء للرياضة في مدارس البنات ودروس للرياضة البدنية، والسماح لها بحضور فعاليات الاحتفالات باليوم الوطني إلى جانب الرجل في الملاعب والميادين، كلها تؤكد على أن عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان يمضي بسرعة لتحقيق آمال هذه الأمة في تجاوز كل السلبيات المعيقة لتطورنا باسم الدين والتقاليد والنظرة الاجتماعية القاصرة نحو كثير من المسلمات.
* *
إن تأخير تطبيق هذا القرار إلى ما بعد شهر رمضان القادم، إنما يعود إلى الرغبة في توفيركافة المتطلبات والبنية التحتية، بهدف أن يتوفر للمرأة المناخ المناسب لقيادة السيارة بأمن وسلامة، مثل معاهد تعليم القيادة وغيرها من المتطلبات، لكن الأهم في الموضوع أن الملك سلمان أخذ على عاتقه أن ينصف المرأة بوتيرة سريعة، وكلنا نتذكر قراره منذ شهرين عن رفع بعض القيود على ممارسة المرأة لحقوقها الطبيعية، وأنه ترك بعض القيود الأخرى للدراسة على أن ترفع له بالتوصيات المناسبة خلال ثلاثة أشهر، أي أنه لم يعد لدى المرأة ما تحتج به بعد اليوم من عدم وجود مساواة في المعاملة مع ما يلقاه الرجل، فقد تضاءلت الفروقات إلى الحد الذي يمكن القول معه إن الملك سلمان ضيّق الفجوة، بل إنه أغلقها تماماً ولم تبق إلا بعض الرتوش والشكليات التي لا تشكل قيمة أو أهمية حين استعراض ما يسمى بحقوق المرأة.
* *
لقد أقفلنا بهذا القرار التاريخي المهم ملف قيادة المرأة للسيارة، وانتهى هذا الموال الذي أزعجنا كثيراً سواء في الداخل أو الخارج، وبتنا كما الآخرين، نعطي للمرأة حقوقها، ونضمن لها حياتها كما تريد ضمن تعاليم الإسلام الخالدة، ولن تكون أمامها أي مضايقات بعد اليوم باسم الدين لحرمانها من حقوقها المشروعة، فالقانون والنظام والتعاليم هي الحكم بين المرأة ومن يسعى لحرمانها من حقوق أقرت لها، ومن ممارسات سُمح بأن تمارسها، فشكراً سلمان، وشكراً محمد، وشكراً لهيئة كبار العلماء على مساندتهم في هذا الحق الذي كان غائباً.