جاسر عبدالعزيز الجاسر
القرار التاريخي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالسماح للمرأة السعودية بقيادة المركبات، يدركه من يتابعون الحراك الذي تشهده المملكة العربية السعودية منذ توجه قيادتها نحو تسريع الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية واتخاذ المبادرات الايجابية التي تترجم رغبة وتوجهات المواطنين الذين يسعون إلى تفعيل قدراتهم لرفع مستوى الإنجازات في المواطن لتواكب تطالعات أبنائه.
قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة المركبات قرار كان متوقعاً صدور منذ فترة، إلا أن السياق العام لإعلانه جاء ضمن مسيرة الإصلاح الذي تسير عليه المملكة، وبعد استكمال كل الإجراءات النظامية وتحقيق الرغبة الحقيقية للمجتمع الذي لم يجد في الأمر ما يمنع من إعطاء المرأة السعودية حقها في القيام بدورها في خدمة وطنها من خلال تهيئة الفرص والظروف لإنجاز طموحاتها وتطلعاتها وفق الأطر الشرعية التي تطبقها المملكة، وهي خير من يحرص على هذا التطبيق، فالدولة تعد -وهي كذلك- الحارسة الموثوقة على تطبيق الشريعة الإسلامية السمحة دون اعتساف أو غلو ولا تراخٍ، وفي نفس الوقت الوصول إلى توافق مجتمعي يلغي أي اختلاف أو تباين في وجهات النظر يؤدي إلى شقاق أو تنافر بين أفراد المجتمع.
وقد تضمن الأمر السامي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز توضيح المرتكز الأساسي الذي رجح أمر اتخاذ القرار، وهو أن «الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة»، وأن مرئيات من تحفظ عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة، ولهذا فإن هيئة كبار العلماء لا ترى مانعاً من السماح للمرأة بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لسد تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه.
وقد تضمن الأمر السامي العمل على الإعداد على وضع الضمانات والأسس والقواعد الشرعية والنظامية للتصدي لأي تجاوزات وإلغاء الذرائع التي يتخوف منها الذين يتحفظون على الأمر، فاللجنة التي ستشكل على مستوى عال من وزارات الداخلية والمالية والعمل والتنمية الاجتماعية لابد وأن تدرس وتراجع كل الخطوات والتخوفات واحتمالات هواجس الذرائع، ولابد أن تضع القواعد والأنظمة التي تحقق النجاح الأمثل للقرار وتعترض على تجاوزات أو ثغرات تحد من نجاح الأمر.
القرار هو فعلاً قرار تاريخي لأنه يحقق الكثير من طموحات وتطالعات نصف المجتمع في الإسهام بتطور وطنه في فترة تشهد حراكاً وتسارعاً في الإنجازات تتطلب مشاركة الجميع، الرجل والمرأة معاً.