فضل بن سعد البوعينين
لا يمكن أن تمضي عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية دون ألم أو إنعكاسات سلبية على قطاعات الاقتصاد؛ فهي أشبه بالعملية الجراحية التي تخضع الجسد لمشرط الجراح من أجل معالجته من الأسقام. ويختلف الجراحون فيما بينهم وفق قدراتهم وخبراتهم الطبية ويظهر ذلك في جانبين رئيسين؛ الأول الكفاءة في معالجة مصدر المرض والقضاء عليه؛ والثاني في إخفاء آثار المشرط؛ أو تقليصها للحد الأدنى؛ لينعم المريض بالشفاء من الأسقام والتشوهات الجسدية.
وفي الاقتصاد، يحرص المعنيون بإعادة الهيكلة على تقليص الإنعكاسات السلبية قدر المستطاع، وبما يضمن المحافظة على مكوناته وقطاعاته التي تشكل قاعدة الاستدامة وتغذية النمو المستقبلي. وكلما تضخمت عمليات إعادة الهيكلة وتشعبت كان أثرها أكبر على المجتمع والاقتصاد؛ ما يستوجب التعامل معها بحذر؛ وفق فترة زمنية متوافقة مع حجم التغيير. مسابقة الزمن لتطبيق البرامج وقطف الثمار قد تأتي بنتائج عكسية وقد تقوض البرامج الكفؤة. وهذا ما تشدد عليه بيوت الخبرة والمنظمات الدولية التي تربط بين فترة حضانة برامج إعادة الهيكلة والنتائج المرجو تحقيقها؛ وتركز بشكل كبير على تطبيق عمليات إعادة الهيكلة بسلاسة تضمن خفض الإنعكاسات السلبية وتساعد الاقتصاد والمجتمع على استيعابها.
أزعم أن مؤسسة النقد العربي السعودي أكثر القادرين على قراءة الاقتصاد السعودي من الداخل؛ فمن خلال النظام المالي يمكن قراءة التدفقات المالية الداخلة والخارجة وإنعكاساتها على قطاعات الاقتصاد؛ وتحليل بيانات إعادة الهيكلة بحيادية وشفافية تعتمد الأرقام أساسا لها. يمكن تشبيه «ساما» بمركز الإنذار المبكر للاقتصاد السعودي؛ فهي قادرة؛ من خلال تحليل بيانات القطاعات المالية؛ على التنبؤ الدقيق بمتغيرات الاقتصاد. يشكل تقرير «ساما» السنوي مرجعاً دقيقاً لاستعراض التطورات الاقتصادية والمالية في المملكة ويمكن من خلاله تشكيل صورة بانورامية عن الاقتصاد خلال سنة ماضية؛ وإنعكاساتها على السنة القادمة من خلال تحليل دقيق لبياناتها وتطور أرقامها المهمة المرتبطة بالقطاع المالي. قد تعتمد «ساما» أسلوب الدبلوماسية في عرضها البيانات المهمة؛ غير أن أرقامها تأبى إلا أن تُعرض بحيادية وبتجرد. وبالرغم من بيانات التقرير المهمة والإيجابية والمطمئنة للقطاع المصرفي؛ وحجم النمو في القطاع غير النفطي؛ إلا أن بعض ما جاء في خطاب معالي محافظ «ساما» الدكتور أحمد الخليفي؛ كان لافتاً بالفعل.
يرى الدكتور الخليفي أن واقع التجارب الدولية في الإصلاحات الاقتصادية يؤكد أن التطورات الهيكلية الهامة والواعدة التي يمر بها اقتصادنا الوطني حالياً يحتاج لوقت أطول لاستيعاب وتفاعل وتكيف مختلف قطاعات الاقتصاد إيجابياً. أتفق تماماً مع قاله الدكتور الخليفي وما جاء أيضاً في توصيات صندوق النقد الدولي؛ وبعض المؤسسات الدولية من قبل؛ المتوافقة مع تلك الرؤية.
فلا يمكن لاقتصاد بحجم الاقتصاد السعودي أن يتحول في فترة زمنية قصيرة؛ دون أضرار؛ ولا يمكن أن نستعجل قطف الثمار التي تحتاج إلى سنوات أكثر للنضج مما هو مرسوم لها على الورق. في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع قبل الاقتصاد؛ إلى استيعاب مجموعة المتغيرات الطارئة والمؤثرة في حياة أفراده وقدرتهم الشرائية وانعكاس ذلك على حجم الإنفاق الاستهلاكي المؤثر في قطاعات الاقتصاد بشكل عام.
لا خلاف على أهمية التطورات الهيكلية؛ وجودتها؛ إلا أن متغير الزمن يمكن أن يؤثر سلباً وإيجاباً في تحقيق أهدافها. كما أن بعض إجراءات ضبط الإنفاق، و التسعير والرسوم متى طبقت بشكل شمولي وفترة زمنية قصيرة ودون تدرج قد تحدث أثراً لا يمكن تعافي الاقتصاد منه بسهولة؛ فيقابل الأثر المالي الإيجابي على خزينة الدولة أثراً سلبياً حاداً على الاقتصاد الكلي؛ ولعلي أستشهد بالنمو السلبي للاقتصاد في الربع الأول من العام الحالي؛ وما يمكن أن تحدثه أي قرارات قادمة من أثر عميق على النمو وقطاعات الاقتصاد بشكل عام.
أختم بالتأكيد على أهمية الزمن في تنفيذ الإستراتيجيات الاقتصادية العميقة؛ فاستعجال تنفيذ البرامج بوقت قصير قد يؤثر سلباً على نسبة النجاح بغض النظر عن نجاعة الخطط والبرامج؛ فمرحلة التطبيق هي المرحلة الفاصلة بين النجاح والفشل؛ وهي المرحلة المتحكمة في الانعكاسات السلبية؛ ما يستوجب التعامل معها باحترافية وحذق تدفع نحو إطالة أمدها نسبيا وبما يتوافق مع حاجة الاقتصاد والمجتمع لاستيعابها والتكيف معها.