د. محمد بن إبراهيم الملحم
يشكو الطلاب من فئتين من المعلمين غالباً: الأذكياء جداً والأغبياء جداً، وشكواهم من الغبي جدا مفهومة ولا تحتاج إيضاحا بينما شكواهم من المعلم الذكي جدا تثير التعجب! فالأصل أنه أحد الحلول المهمة للنهوض بالتعليم ، فهؤلاء يفترض أن يكونوا بإبداعهم قادرين على الارتقاء بالطلاب خاصة في المواد العلمية والأدبية ذات الطابع الفكري التحليلي بينما الأمر في الواقع ليس كذلك ، فهم بعيدون نفسيا عن الطلاب ويعيشون في برج عاجي يحاولون من خلاله إثبات تفوقهم عبر عدة أنماط من التعامل منها مثلا سرعة الشرح لاستعراض القدرات الذهنية ، ومنها السخرية من تفكير الطلاب السطحي ، ومنها التكاليف المعقدة في المشاريع ، ومنها الاختبارات الصعبة. هذه صورة متكررة في التعليم العالي بجامعاتنا كما هي في مدارسنا الثانوية والمتوسطة(أحيانا) بل إن الصورة النمطية للأستاذ الجامعي المتعالي (والذي يظهر بصورة العالم الفذ) هي أساس هذه المتلازمة والمرض الخطير في تعليمنا مع الأسف.
ومع أن تلك التصرفات تؤذي الطلاب إلا أن طائفة منهم وبكل تلقائية فطرية ينبهرون بهؤلاء ويصفونهم بالذكاء الحاد والقدرات الخاصة! وبعضهم كذلك ، لكن ذلك لا يبرر إهمالهم للمطالب التربوية في العملية التعليمية لتحقيق رسالتهم كمربين وقائدي فكر وسلوك قبل أن يكونوا معلمين ينقلون المعرفة متلبسين أثواب العلماء. وهذه الصورة النمطية للمعلم الذكي جدا ليست مطلقة على الدوام فمنهم من يقوم بدوره التربوي ويهتم بطلابه كأبنائه فيسمع منهم ويساعدهم ويتبسط معهم بقدر الحاجة فيستوعب طلابه العلم بكل سهولة ويسر ، وما ذلك إلا لاجتهاده وبذله الجهود الكبيرة لتبسيط الأفكار والبحث عن الوسائل المعينة والشروحات الإضافية ليوفر لجميع طلابه بكل مستوياتهم ما يساعدهم على استيعاب كل مهارات المادة ومتطلباتها فلا يبقى عليهم سوى بذل الجهد في الاستذكار والمراجعة.
السؤال الذي طرحته في عنوان المقالة: هل هؤلاء المعلمون الأذكياء جدا أغبياء؟ جوابه في الواقع: نعم. فهم أغبياء اجتماعيا ، ولذلك لم يتمكنوا من إدراك ماعليه صورتهم النفسية لدى طلابهم ، فهم مكروهون جدا وإن ظنوا أنهم حققوا أمنيتهم في الظهور بمظهر العلماء الأفذاذ ، وحازوا شيئا من المدح الظاهري كأناس أذكياء. الشخص الذكي اجتماعيا (أو الذكي عاطفيا في تعبير آخر) هو من يستطيع أن يفهم ذاته ويفهم الآخرين ، وهذه أدنى مستويات هذا النوع من الذكاء حيث تليها المستويات المتقدمة وهي التحكم في الذات ثم التحكم في الآخرين. ولذلك فإن رسوب هؤلاء الأذكياء جدا من الناحية المعرفية في أدنى مستويات الذكاء العاطفي-الإجتماعي وهي الوعي بالذات والآخرين هو أكبر دليل على غبائهم الاجتماعي فعلا، ولا عزاء لأغبياء الذكاء أينما كانوا فالفشل القيادي يلاحقهم ويسومهم العذاب، وأحيانا يسوم مؤسساتهم التي توليهم شؤونا قيادية سياط التقهقر، وعموما ومن باب ال (نوستالجيا) فليتذكر كل واحد منكم كم ذكي غبي قام بتدريسه؟ في المدارس وكذلك في الجامعة؟
** **
- مدير تعليم سابق