د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هناك عوائل توارثت مهنة معينة أو وظيفة معينة، وسارت على ذلك عبر السنين، وفيهم من أبدع في هذه المهمة، وفي الغالب فإن كثيرا من أولئك النفر يتحلون بصفات جعلتهم أهلا لذلك.
وفيما مضى من الزمان، كان الحجيج يسير في مراكب وقوافل إلى الأماكن المقدسة، فالسفر الفردي يعرض صاحبه للخطر من جوانب كثيرة، مع أن هناك عددا من الحجاج الذين كانوا يقدمون من بلاد الهند في ذلك الزمان مشياً على الأقدام مع ما يحملونه من زاد خفيف، وبعضهم يتوفاه الله قبل الوصول إلى مناه، والبعض الآخر يساعده الله في الوصول إلى غايته، والكثير منهم يجد الرعاية والخدمة من أبناء المدن والقرى والقبائل التي يمرون بها، وبعد الانتهاء من زيارة الأماكن المقدسة والمكوث فيها ما شاء الله أن يمكثوا، يعود البعض منهم على نفس الطريق الذي سلكه أثناء قدومه، ومنهم من وجد معاملة حسنة من سكان القرى والمدن التي مر بها، فيستقر هناك لاسيما إذا كانت عائلته مرافقه له.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من لقي كرم الضيافة وحسن المعاملة عند المرور في منطقه نجد فقرروا الاستقرار بها، وعاشوا مكرمين بين أهلها، واستمرت تلك العوائل الكريمة، واختطلت مع السكان الأصليين، وبقيت عبر مئات السنين حتى يومنا هذا.
والحجيج يقدمون إلى الأماكن المقدسة بطرق مختلفة أيضاً فهناك من يقدم على قوافل برية، والغالب فيها الإبل فهي سفينة الصحراء القادرة على تحمل المشاق، وقله الماء أثناء عبور الفيافي المترامية الأطراف، وكان من المعتاد أن يكون هناك قائداً لكل قافلة خبيراً بالأساليب المتبعة أثناء الرحلة، ومنها القدرة على التعامل مع القبائل التي يمر بها أثناء تلك الرحلة الطويلة الشاقة، وذلك لحماية القافلة من النهب والسلب الذي قد يلجأ إليه بعض قطاع الطرق في تلك المسيرة الطويلة.
والبحر وسيلة أخرى لقاصدي البيت الحرام، يستخدمون المراكب الشراعية. والحقيقية أن المخاطرة باستخدام البحر كبيرة، فكثيراً من المراكب تتعرض لرياح عاتية تؤدي بالمركب بما فيه.
وطالما أن الحديث عن القوافل والمراكب، فلعلنا نذكر ذلك الركب المغربي في بداية العصر العلوي الذي يسير كل عام إلى الديار المقدسة، وكانت عائلة تتوارث شرف برئاسة الركب، وهي عائلة عديل ذات الأصل الأندلسي، فهناك علي يحيي الشناوي وعلي الذئب، ومولاي عمر، والشيخ الدكروج، والحاج محمد المراكشي، والحاج محمد القيسي والحاج إبراهيم الفران وغيرهم كثير، كان هؤلاء يقودون الحجيج، لكن عائلة عديل برزت، وتوارثت هذا الشرف، وقد كان والدهم من عيون التجار والأمناء بفاس وما تزال الدار المنسوبة إليه معروفة حتى الآن، وكان أبوهم قد تدرج في المراتب العليا حتى ولاه المولاي إسماعيل النظر في النيابةِ عن بيت المال، والتصرف في المراسي وغيرها، ثم ولاه إمارة ركب الحج، وبعد ذلك يتبنى هذا الشرف أبناؤه، وأبناء أخيه الشيخ عبد العزيز، والشيخ الخياط، والشيخ عبدالقادر، والشيخ الشادي، وقد استشهد الحاج عبدالعزيز في أحد الأماكن في الحجاز، كما أن الحاج الخياط قد سار في سفارة إلى الاستانة عام 1175، أما الحاج عبدالقادر الذي يرأسه الأمير الجليل، فقد تحدث عنه الحجاج بلسان جميل، وقالوا : إنه كان يجيد متعه في أسداء الخدمة للناس، ومباشرة صغيرهم وكبيرهم، لا يكل ولا يمل، إلى حسن خلق ولين جانب، وخاصة مع الضعفاء والقاصرين.
وفي الحقيقة أن رئيس الركب لا تقف وظيفته عند قيادة الركب بل تتعداه إلى أداء الأمانات والتحف إلى الشخصيات التي اعتاد الحكام تبادلها لاسيما أثناء مسيرة الحج .
هذه نبذه قليلة عما كان يجري فيما مضى، وتغيرت الأحوال بتغير الزمان والتقنية التي قلبت موازين كل شيء.