د. خيرية السقاف
تُفرحنا مكاسب الدنيا وانتصاراتنا فيها, ديدن الحياة, ومسلك البشر, من يعمِّرونها حركةً, وبناءً, ونشاطاً, وعملاً, ودأباً, واستمتاعاً, وأخذاً, وعطاءً..!
والدنيا حياة ثانية بعد الغيابات, من الغيب, فالأحشاء, فالبدء..
ظلمات ثلاث لا يدري واحد عن ذاته شيئاً, ولا يعرف من نفسه أمراً, وبداية لا يملك فيها من أمره شيئاً..
حتى يستوي كلٌّ على قدميه, ويلمس كفّيه, ويعي ما يكون..
الآن, الكل في معمعة شمس عظيمة..
لمرحلة مفصلية بعيدة النتائج, ملموسة الخامة..
الناس جميعها تتأهب, تنخرط, تنشط, تبتسم, تتفاعل مع المتغيرات في كل مناحي الحياة, والمعاش بكل متاحاتها, في جميع مجالاتها للإنجازات الفردية, والكلية, ومتاحات التنافس والتفاعل, وانخراط المواهب, وفورة أوعية الأفكار, والتنفيذ, والتصويب, والإضافة, والاستبدال..
بإرادات تشذيب الثقافة الفردية, بتطويع الأنظمة البديلة, بهدف الخلاص من إرث بليد, لقادم تليد, دفعاً لمراكب المجتمع نحو نواصي الحياة المعاصرة بما فيها يهيئ الفرد الواحد ليكون لا اتكالياً, ويعزز فيه الاعتماد الذاتي, ويمهد له, وبه الجسور بينه وبين نفسه, وبينه وبين كل الحياة باتساع رقع الأرض, ومصالح الدنيا..
كل هذا هو بكل تأكيد من مكاسب المرحلة, وهي يتساقط في مرورها ما تعاقب عليه الزمن من خشاش, وجفاف, ولحق به من عجف, أو صفرة, فأخذت تؤسس لبذور ستنمو بأزاهيرها, وتونع, وسيكون الجيل القادم على ساق صلبة, بقدم تعرف اتجاهها وإن كان لبيع رغيف, أو شراء حنطته, أو عجن طوبة, ورفع بنائها..
جميل هذا الحراك بما فيه من توعية المدارك, وتأهيل قدراتها, وتصويب أفكارها وتمرُّس سلوكها..
لكن في معمعة هذه الحياة هناك ما يستحق عدم إغفاله وهو الطريق الآخر للانتصارات الأبقى, والمكاسب المدخرة للحياة التي لا تفنى..
هذا الذي على الأفراد وهو وحده الفرد ألا يغفلها في معمعة أفراحه..
فمن ينخُل فيفصل بين ما هو دخيل في الدين من فكرة شوِّهت, ومسلك شُدِّد, وتأويل مرق, وعادة أخطأت, وتفسير غمر, وبين ما هو أساس راسخ, وقاعدة متينة, وواجب مُلزم, وسلوك سليم يعزز الانتماء, ويؤكد الاعتقاد, ويوطد اليقين, ولا يتراخى في الأصول..؟
من يضع المسطرة بين ما لا خسارة فيه, وما عنه كل المكسب وفيه في الشأن الديني؟!..
بعد أن تداخل على الكثرة ما قيل ويقال, وما صار ويحدث حتى بات الكثرة لا يميزون بين الجذر وورق شجرته فيما لهم, أو عليهم من أمر دينهم, وتحديداً الجيل الناشئ, والذي سيأتي؟!..
ذلك لأنّ الإنسان لن تقف به الحياة عند هذه الحياة,
فهناك طريق آخر حدَّ الشفرة بين مكسب ونجاة, وخسارة وتردٍ..