فهد بن جليد
الأمر السامي التاريخي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية، أنهى حالة جدلية هي الأوسع والأطول في تاريخنا الاجتماعي، عندما كان هناك من يُنصب نفسه ليتحدث برغبات واحتياجات عموم المجتمع تجاه السماح من عدمه حتى وهو من خارجه، قلنا سابقاً بأنَّ المسألة تبقى شأناً سعودياً، ولن تحل إلا من خلال رغبة المجتمع وتقبله مثل هذه الخطوة، عندما يكون جاهزاً ومُستعداً لها وهو ما يحدث الآن بتوافق واضح وانسجام ملموس بين رأي المجتمع والأمر التاريخي، الذي انتصر بالفعل لحاجات وضروريات أغلب النساء في المملكة، بعيداً عن تربص وأصوات بعض الحاقدين ممن يصطادون في الماء العكر على السعودية وخطواتها التطويرية وقفزاتها الجبارة نحو المُستقبل، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
مكاسب قيادة المرأة للسيارة (اجتماعياً، واقتصادياً) أكبر بكثير من المخاوف التي مازال هناك من يتصورها، ولنا في الكثير من المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية التي تتوافق دينياً وثقافياً مع مجتمعنا خير دليل، من يتحفظ على الخطوة من أفراد في المُجتمع السعودي هذا شأنه الشخصي والعائلي واختياره الطبيعي فالقضية ليست إلزامية لأحد، وعليه أن يتقبل الأمر كواقع جاء لسد احتياج ماس لفئة عريضة من المُجتمع، وتلبية لمُتطلباتها ومصلحتها - من غير إضرار بالفئات الأخرى - وبرغبة ولي الأمر الحريص على مصلحة الجميع، والذي استمدها من الرأي الشرعي لهيئة كبار العلماء.
الأرقام الاقتصادية وحدها تتحدث عن الفائدة المرجوة، من تخفيف الأعباء المالية الأسرية على المدى البعيد، عندما يُقدر عدد السائقين الخاصين في المجتمع السعودي بأكثر من مليون وخمسين ألف سائق خاص، يستنزفون نحو 30 مليار سنوياً من جيوبنا, كما أن مخاوف مُضاعفة عدد السيارات في الشوارع يبددها اعتماد نحو 70% من النساء على قيادة سيارات سائقيهم السابقين بعد الاستغناء عن خدماتهم في المُستقبل, كما أن وضع ضوابط مرورية صارمة والمدة الكافية قبل التطبيق ستتيح مساحة من الوقت لمدارس تعليم القيادة وللاختبارات اللازمة للتأكد من جاهزية النساء لها، بقي التخوف الأكبر من سلوكيات السائقين والشباب تجاه المرأة وسيارتها، وأعتقد أن هذه فقط تخيلات سنتأكد أنَّها مُجرد ترسبات قديمة، ومُبررات لا تتوافق مع النضج الاجتماعي الحالي، مع مُشاركة المرأة ومُمارستها اليومية لحياتها العامة بشكل طبيعي، دون أن تكون عرضة لأي تجاوزات، والتجاوز إن حدث - في بداية التطبيق- ستقف له الأنظمة والعقوبات الرادعة بالمرصاد ليتلاشى تدريجياً، كأي خطوة جديدة.
كل تغيير إيجابي، وتطوير مرحلي، حتماً ستجد له مُعارضين ومُتحفظين ومُتخوفين في بداياته، ولكن عند دوران عجلة الحياة، والمُضي نحو المُستقبل، سيلحق بالركب من تخلف عنه، وهذا ملموس ومُعاش في قضايا اجتماعية نسائية سعودية سابقة مثل تعليمها, وتوظيفها.
وعلى دروب الخير نلتقي.