محمد آل الشيخ
الملك سلمان، وأقولها بمنتهى الموضوعية، اتخذ قرارات إصلاحية فعلية في مدة وجيزة، ستبقى في تاريخنا محطات مضيئة، وفي الوقت ذاته تؤكد المقولة المتداولة: (التاريخ المجيد يصنعه العظماء ولا يصنع التاريخ العظماء).
قرار قيادة المرأة للسيارة الذي صدر مساء الأربعاء كان تتويجا لقرارات عدة مماثلة، العامل المشترك الذي يجمعها (التغيير والتطور والحداثة ومواكبة العصر)، وفي تقديري، وأكاد أجزم بذلك، أن هذا القرار الذي أثلج قلوب الوطنيين، وجعلهم يشعرون بغد مشرق، لن يكون الأخير، بل هناك حزمة من القرارات المماثلة ستتوالى تباعا؛ غير أن هذا القرار أخذ زخما إعلاميا كبيرا، لأن المحافظين الكلاسيكيين، الذين دائما ما يقفون حجر عثرة في سبيل الحداثة بمعناها الشمولي كانوا يربطون مواقفهم المتحجرة بالحلال والحرام، فيعتبرون أن كل من يدعوا إلى قيادة المرأة للسيارة بنفسها، هو بمثابة من أنكر معلوما من الدين بالضرورة؛ وهم دائما ما يضعون أنفسهم في مآزق محرجة، فالدليل الشرعي غالبا لا يسعفهم في ممانعاتهم، بل هو في أحايين كثيرة ضدهم وليس معهم؛ كما أن مصلحة المواطن غالبا ما تختلف مع ما يقولون اختلافا جذريا، إضافة إلا أن العالم من أقصاه إلى أقصاه اتخذ من (تحريمهم) لقيادة المرأة للسيارة - مثلا - دليلا على أنهم يحرمون ما أحل الله لينتصروا لعاداتهم وتقاليدهم، والأهم نظرتهم الدونية للمرأة؛ لذلك عندما تناقشهم، تجد ممانعاتهم بلا دليل من كتاب أو سنة، فيكتفون بالاعتماد على قال فلان، وأفتى آخر، وكأن فتوى الرجال أصبحت في موازاة مرجعية الكتاب وقول الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وهذه في حد ذاتها من أهم المعضلات السلبية التأصيلية، التي تُعاني منها البلد؛ فالفتوى، كائنا من يكون قائلها، هي مجرد رأي فقهي إنساني، قد يصيب قائلها، وقد يُخطئ، والعبرة ليس بمكانة ورفعة ومقام من يقولها، وإنما بمدى تماهيها مع الدليل الشرعي المستقى من كتاب الله أو سنة رسوله، أو قياس على دليل بحيث يكون القياس مكتمل الأركان. ثم إن الفتوى، خاصة في مسائل التعاملات الدنيوية، وليس مسائل العقيدة والعبادات، تكون مرتبطة ارتباطا حميميا بظروف الزمان والمكان عند صدورها، ولا تخترق بالضرورة الزمان والمكان إلا إذا تواءمت مع مقتضيات الظروف، لأن قضايا الدنيويات ليست ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان كما يتصور البعض، ولكنها تدور مع المصلحة حيث دارت، وهذا ما يوافق عليه حتى الشيخ السلفي «ابن القيم» في كتابه (أعلام الموقعين) حين يقول: (أينما تكون المصلحة فثمَّ شرع الله)؛ أي أن الشرع مرتبط بالمصلحة، فإذا تغيرت المصلحة، فإن الشرع يواكبها فيتغير معها؛ و المخول بتلمس المصلحة هو (حصرا)لي الأمر المبايع، وليس أي شيخ أو داعية، مهما كان مقامه، ودرجته العلمية.
هذا من ناحية التأصيل الشرعي، أما من حيث مصلحة المجتمع، إناثا وذكورا، فإن قيادة المرأة في المجتمع المدني، حيث تعمل المرأة، وتمارس حقها في التكسب وطلب الرزق، وبالتالي يكون منعها من قيادة السيارة، دونما سبب شرعي، اللهم إلا مراعاة العادات والتقاليد، فيه إجحاف وظلم ما مثله إجحاف؛ فهي بذلك مضطرة لأن تضحي بجزء كبير من دخلها لتدفعه إلى من يقوم بمهمة تنقلها وتحركاتها الحياتية، الأمر الذي جعل السائقين - وهم في الغالب أجانب - يستنزفون من اقتصاد البلاد مبالغا كبيرة، دون أيّ مبرر، إلا مراعاة للعادات والتقاليد البالية.
شكرا أبا فهد، فمثلك يا زعيم العزم والحزم والحسم من يتخذ مثل هذه القرارات التاريخية، وشكرا لولي عهده وعضيده الأمير محمد بن سلمان، الذي وثق فيه الملك سلمان، فكان محل الثقة بكل جدارة واستحقاق.
إلى اللقاء