«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
ضمن فعاليات (إعلاميون)، أقيم مساء يوم أمس الأول، بالشراكة مع مجموعة «أنتور» للفنادق، ندوة بعنوان:»الصحافة السعودية.. التأسيس.. الواقع والمستقبل»، شارك فيها الأستاذ محمد القشعمي، والدكتور عبد الرحمن الزهيّان، والزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي مدير تحرير الشؤون الثقافية بصحيفة «الجزيرة»، حيث قدم الندوة الزميل الإعلامي عبد العزيز العيد، رئيس ملتقى «إعلاميون»، وأدارها الأستاذ أحمد الحوت، حيث وصف القشعمي تاريخ الصحافة السعودية، بأنه ذلك التاريخ الذي أخذ ثلاث مراحل، الأولى تمثلت في صحافة الأفراد، أما المرحلة الثانية فتشكلت ضمن رحلة الدمج، وصولا إلى امتداد تاريخ الصحافة المحلية الذي يمثله اليوم مرحلة المؤسسات الصحفية، مشيرا إلى أن الحديث عن تاريخ الصحافي السعودية، لا يمكن فصله عن حركة الطباعة في المملكة، إذ لم تظهر الطباعة إلا بشكل قليل وبطيء في تدرج ظهوره خلال المرحلة الأولى من صحافة الأفراد، مستشهدا في هذا السياق بمقولة حمد الجاسر عندما أراد أن ينشئ مجلة اليمامة التي قال فيها: لا يمكن أن يكتب البقاء لصحيفة ما لم يكن إلى جوارها مطبعة! مستعرضا في هذا السياق ظهور الطباعة في الحجاز التي بدأت بإنشاء المطبعة العثمانية، التي تعد حينها مطبعة صغيرة ولم تكن مخصصة إلا لطباعة الكتب التي كانت تطبع فيها خلال تلك الحقبة، وصولا إلى المطبعة الأميرية.
وقال القشعمي: عندما نتحدث عن تلك الحقبة من صحافة المملكة التي تجسدت في صحافة الأفراد، فإننا سنتحدث عنها من خلال حركة الطباعة بدءا بالعهد العثماني ثم الهاشمي، ثم العهد السعودي، الذي شهد ولادة أول صحيفة سعودية رسمية التي تمثلت في صحيفة (أم القرى)، إضافة إلى صدور صحيفة (صوت الحجاز) التي صدرت بعد ذلك باسم (البلاد السعودية)، ثم باسم (البلاد)، إلا أن صحافة الأفراد رغم ظروف الطباعة المحدودة، وإمكاناتها المتواضعة، استطاعت أن تقدم صفحات أدبية، وأخرى اجتماعية، وصفحات كانت مهتمة بالقضايا الاجتماعية، إلا أن تاريخ تلك الفترة من صحافتنا المحلية يمكن تقسيمه على ثلاثة محاور، الأول منها يتمثل في الصحافة في الحجاز، كعرفات، وحراء والندوة وغيرها والآخر عن الصحافة في نجد، كمجلة الجزيرة، اليمامة، قبل تحولهما إلى صحف، فيما تمثل الصحافة في المنطقة الشرقية محورا ثالثا لامتداد تاريخ الصحافة في المملكة، كصحيفة أخبار الظهران، والإشعاع، والخليج العربي، والفجر الجديد.
كما وصف القشعمي واقع صحافة الأفراد، بقلة الإمكانات، وكثرة التحديات، وتعدد العقبات التي كانت تحيط بتلك المرحلة من الصحافة، التي أورد القشعمي منها: شح الموارد المادية التي كانت تمثل أحد أبرز العقبات، إذ كان رؤساء تحريرها هم من يتحملون تكاليف طباعتها، ومنهم من ترحل ما بين المطابع من مدينة إلى أخرى إصرارا منه على مواصلة إصدار صحيفته، إلى جانب تأثر صحافة الأفراد بالكثير من المؤثرات والظروف الاقتصادية سواء الداخلي منها، أو الخارجي كنشوب الحربين العالمية الأولى والثانية التي توقفت معهما الصحف، باستثناء صحيفة (أم القرى)، مشيرا القشعمي في سياق حديثه إلى الصعوبات التي كانت تعتري صحافة الأفراد، وتمثلت في تواضع إمكانات أصحابها المادية، إذ إن من رواد صحافة الأفراد من عمل مصححا في مقابل (صحن فول) يوميا، إلى جانب تواضع إمكانات الطباعة وندرة المطابع، ما جعل صحافة الأفراد تنشأ في ظل تحديات كانت تحيط بها، أمام جهود فردية لرؤساء تحريرها، إضافة إلى ما كان يتعاقب على رئاسة التحرير الصحيفة من رؤساء تحرير، نتيجة لظروف مادية، أو فصل، الذي كان نتيجة لمساءلة، التي كانت تتدرج نتائجها بين استبعاد رئيس التحرير، أو إيقاف الصحيفة لفترة ما، أو سحب الترخيص من صاحب الصحيفة، نتيجة ما يقع من مخالفات وتجاوزات في النشر.
أما عن (واقع الصحافة الثقافية)، فارتجل الزميل الدكتور إبراهيم مشاركته قائلا: لابد من الأخذ بثلاثة أمور مرحلية لمسيرة الصحافة الثقافية، الأولى مرحلة صحافة الأفراد، والثانية مرحلة الدمج، أما الثالثة فمرحلة «مأسسة» الصحافة، فحينما نقارن بين هذه المراحل نجد أنفسنا بشكل أو بآخر أننا نقول - مع أني لا أومن بهذه المقولة - «التاريخ يعيد نفسه»، إذ التاريخ لا يعيد نفسه، وإنما نحن من نعيد إنتاج ذواتنا، فعندما نعيد قراءة صحافة الأفراد سنجد أنها وصلت في بعض المراحل إلى (40) صحيفة، فمن خلال مراجعتي لسيرة معالي أستاذنا جميل الحجيلان، التي وصف أن مرحلة تأميم الصحافة 1963م، لم يكن الهدف منها أن تصل صحافتنا إلى ما وصلت إليه، بعد أن أصبحت صحافة ذات صبغة تجارية تهتم بـ «الإعلان»، وبـ «المعلن»، وهذا مما قرأته خلف سطور سيرة أستاذنا الحجيلان، التي أجزم أن سيرته ستكون من بين السير الأجمل والأكثر ثراء واستقراء لما تضمنته؛ وعندما نستقرئ حال الصحافة المؤسسية اليوم نجد أنه طرأ عليها العديد من مؤشرات التراجع، بدءا بعدد الصفحات مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعيدنا إلى التساؤل: هل ستعود صحافة المؤسسات - أيضا - إلى مرحلة (دمج)، أو أننا لن نقرأ في المستقبل سوى صحف (إلكترونية)، نظرا لما تعيشه صحافة المؤسسات من معطيات لمثل هذه التساؤلات.
وقال الزميل التركي: عندما نتحدث عن الصحافة «الثقافية» ضمن هذا الإطار، فسأتحدث في ضوء تجربتي الصحفية من خلال صحيفة (الجزيرة)، فقد كنت أظن أن الدكتور أحمد البدلي - رحمه الله - هو أول مسؤول عن التحرير في القسم الثقافي، ومن خلال لقائي بذاكرة ثقافية وقامة صحفية، ألا وهو الأستاذ سعد الحميدين الذي أتمنى على ملتقى «إعلاميون» استضافته، الذي أبلغني بأن البدليّ لم يكن مسؤول التحرير الأول للشؤون الثقافية في صحيفة الجزيرة، حيث أكد لي أن محمد السرحيّ الأول، فعبد الله نور، ثم علي العمير، الذي أعقبه سعد الحميدين، ليكون أحمد البدلي المسؤول الذي أسندت إليه مهام القسم الثقافي، ثم حمد القاضي، فصالح الأشقر، لتسند مهام التحرير إليّ، ما يعكس مدى جدب المعلومات عن مسيرة الصحافة الثقافية من خلال هذا المثال الذي لا أظن أن ذاكرة الصحافة الثقافية في الصحف الأخرى ببعيد عن هذا الجدب، مؤكدا أن الصحافة الثقافية بمساريها الذي تمثله الصفحات الثقافية، والملاحق الصحفية، قطعت أشواطا متقدمة خلال مسيرتها في خدمة مشهدنا الثقافي، رغم مؤشرات التراجع فيما يخص الملاحق الثقافية الأسبوعية وتوقف آخر منها.
وأكد الزميل التركي أن يكون دور الصحافة الثقافية «تكامليا»، لا «تنافسيا» بمفهوم التنافس التقليدي (السلبي)، مشيرا إلى أن واقع الصحافة الثقافية في غالب أحوال المؤسسات الصحفية أصبح في ذيل القائمة، لكونها لا تجلب إعلانا، وإنما تحمّل المؤسسات الصحفية تكاليف مادية، مردفا قوله في هذا السياق: لي وقفة هنا، التي أؤكد من خلالها أنني لا أحرق بخورا لأحد، فقد كان لي تجربة مع الأستاذين محمد العباس، ثم محمد أبا حسين، الذي كنا نصدر خلال فترة رئاسته ملحقين، وصولا إلى التجربة الثالثة مع رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك بدءا من 3/3/2003م، الذي وجه بإصدار (المجلة ثقافية) وما زال داعما وحريصا على إصدارها، رغم أن المؤسسة كانت تصدر العديد من المجلات الأسبوعية التي توقفت منذ سنوات، ما يجعلنا اليوم أمام استقراء لحال الصحافة المؤسسية عموما، والثقافية خاصة، في ظل ما تشهده الصحافة اليوم، إلا أن المجلة الثقافية ما تزال تحظى بحرص أستاذنا المالك على صدورها، وبقناعتي أن هذه المجلة التي تصدر في (12) صفحة ورقية، بعد أن كانت تصدر في (24) صفحة، بحجم التوبلويد، التي أصبحت تصدر في (8) ورقية، و(4) صفحات إلكترونية، بها أكثر من (45) كاتبا وكاتبة أسبوعيا، لن تكون قوية ومتألقة، إلا بقوة الملاحق الأخرى وتألقها.
أما عن (مستقبل الصحافة) فقد تحدث الدكتور عبد الرحمن الزهيّان، بأن مستقبل وسائل الإعلام عامة، والصحافة تحديدا مستقبل تحفه التحديات المتنامية، قائلا: يحتم علينا الحديث عن مستقبل الصحافة أن نتحدث عنها كما أتصور من خلال صورة «كبرى» يتفرع منها العديد من التحولات، نتيجة لتلك التحديات التي شكلتها التقنيات والوسائل ووسائطها في ثورة غير مسبوقة، في ظل تسارع تكنولوجي كبير، أفرز الكثير من التأثيرات على الصحافة عالميا ومحليا، ما يضعنا أمام أبرز تحديين رئيسيين، هما في الواقع يمثلان في الوقت ذاته مشكلتين رئيسيتين، الأولى: العائدات، التي تعد شرايين حياة الصحافة التي يجسدها الإعلان، الذي تراجع في الصحافة بشكل كبير نتيجة تأثير وسائل الإعلام الأخرى ووسائل الاتصال على إعلانات - عائدات - الصحف.
فيما وصف الزهيّان المشكلة الأخرى، بأنها «تقنية» التي أجمل أبرز ملامح تأثيرها بقوله: التوجه العالمي للجماهير نحو وسائل الاتصال، وباتجاه البث الفضائي، إضافة على موجة عالمية للتوجه للأجهزة الهاتفية الذكية، ما نتج عنه ما يعرف اليوم بالإعلام «الموزع» على الأجهزة الذكية، التي أدت إلى توزع الإعلان (العائدات الصحفية) عبر وسائل الاتصال ووسائطها المختلفة، إلى جانب ما تكمن به وسائل الاتصال بتطبيقاتها من تقديم خدمات إعلانية وأخرى إعلامية زادت من شيوع استخداماتها، وسعت من دوائر انتشارها بين مختلف فئات الجماهير، ما زاد من تأثيرها على المهنة الصحفية من جانب، وعلى عائداتها من جانب آخر، ما يجعل اليوم الحديث عن الصحافة يشوبه توقعات كثيرة منها: التحول من الورقي إلى الإلكتروني، ومدى صمود الورقي بسماته في مواجهة الإلكتروني ومد ثورته التقنية، مشيرا في ختام حديثه إلى أن الصحف التي ستبقى هي القادرة على مواجهة التحديات بالتطوير المستمر، وبمدى قدرتها على منافسة وسائل الإعلام الأخرى، ومسايرتها لثورة وسائل الاتصال.. مختتما حديثه قائلا: لن تختفي الصحف الورقية القادرة على مواجهة هذه التحديات، وستظل تحظى بثقة القراء، واطمئنانهم إلى ما تنشره، لكونه الأقرب إلى صفة الرسمية مضمونا وشكلا ورقيا مكتوبا.
وقد اختتمت الأمسية بتكريم خمسة من رواد صحافة الأفراد وهم كل من: سعد بن عبد الرحمن البواردي، عمران بن محمد العمران، محمد بن عبد الله الطيار، علي بن عبد الرحمن المسلم، صالح العلي الصويّان، تلا ذلك تكريم فرسان الأمسية.