هاني سالم مسهور
بينما كان أكراد العراق يصطفون أمام صناديق الاستفتاء في الإقليم العراقي ظهر علم كردستان في إيران، ملاحقات أمنية ومطاردات قامت بها القوات الأمنية الإيرانية لقمع هذه المظاهرات التي من المؤكد كانت مفاجئة، فمازال من المبكر الحكم على مآلات مستقبل استفتاء كردستان وماهية الصيغة التوافقية الممكنة لإحياء الدولة الكردية من عدمها، اللافت سرعة التفاعل الكردي في إيران فلا يمكن اعتبار ما حدث فيها أمراً منطقياً بحكم القبضة الأمنية الشديدة التي يمارسها نظام الحكم في إيران على الأقليات.
من الواضح أن إيران التي اتخذت تصعيداً عالياً تجاه استفتاء كردستان العراق عبر التفاهمات العالية المستوى مع الأتراك قبل التفاهم مع العاصمة العراقية بغداد، وتحريكها راجمات الصواريخ على حدود كردستان العراق وهذا التصعيد العسكري الإيراني يأتي عن إدراك لحقيقة النفوذ الكردي الواسع في كل الدول، سواء كانت تركيا أو سوريا فضلاً عن العراق وأن أكراد إيران يتربصون الفرصة المواتية للاستفادة من هذا النفوذ السياسي.
أكراد إيران من بين جميع المجموعات الكردية هم وحدهم من ذاق طعم الدولة في الشرق الأوسط الحديث، وإن كان لفترة قصيرة بعد أن أعلن تأسيس جمهورية كردستان في مهاباد عام 1946م، لكنها استمرت 11 شهراً فقط قبل قضاء الدولة الإيرانية على التجربة بالقوة وإعدام زعيم الجمهورية قاضي محمد. وشكّلت هذه التجربة جزءاً لا يتجزأ من الوعي الوطني الكردي، وظلت نقطة مرجعية للقومية الكردية. ومن المفارقات أن مسعود بارزاني نفسه كان قد ولد في تلك الدولة الكردية في داخل إيران.
سياسة القمع الإيرانية سواء في فترة حكم الشاه أو ما بعد الثورة الخمينية 1979م اعتمدت على نفي القيادات الكردية من إيران، هذه السياسة المتبعة أضعفت الأكراد الإيرانيين ولم يستطيعوا المشاركة السياسية الفاعلة كما حدث مع أكراد العراق أو أكراد سوريا في المقابل، واعتمدت إيران منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003م وسيطرتها على السياسة العراقية على منع أي نشاط لأكراد إيران وعملت على منهجية واضحة في هذا الشأن عبر تمشيط المناطق الحدودية عسكرياً لمنع إقامة الأكراد معسكرات تدريب على الحدود في الجانبين سواء الإيراني أو العراقي.
يغلب على أكراد إيران انتماؤهم للمذهب السني وهو ما يعتبر حاجزاً من الحواجز التي تبعدهم عن المشاركة الفاعلة في السياسة الإيرانية، ولذلك لا تذهب أصواتهم الانتخابية إلا للتيار الإصلاحي خشية منهم من التعامل المفرط بالقوة العسكرية من المحافظين في حال وجود نشاط سياسي للأكراد في إيران، غير أنه من اللافت إدراك أن إيران وتركيا تتشاركان في أكثر من مجرد اصطفاف ضد إقامة دولة كردستان العراق، فالجانب الآخر هو تعاطي أنقرة وطهران مع الأزمة الخليجية من خلال دعم الدوحة ونشر قوات عسكرية تركية وإيرانية في توافق لا يخرج عن الصراع الإقليمي وهو ما تراه كل من إيران وتركيا تهديداً مباشراً لمشاريع التوسع في المنطقة، هذا الجانب يعتبر الأهم وعلى أساسه خرجت ردات الفعل في إيران وتركيا بنبرات عالية ومن أعلى المستويات السياسية في البلدين.
في كل الأحوال فإن استفتاء كردستان العراق فتح ملفاً خطيراً يهدد النظام الإيراني وسيشجع الأقليات القومية في إيران على التحرك الفاعل للحصول على حقوقها السياسية سواء كانت بلوشستان أو القضية الأحوازية العربية، فالأمر لم يعد يتعلق بمجرد الانصياع الدائم لعصا الملالي التي أوجعت تلك الأقليات التي أخضعها الفرس إلى تقاليدهم القومية الفارسية، لذلك فإن ظهور علم كردستان في سماء إيران لن يكون مشهداً أخيراً بل مشهد سيتكرر، فالنزعة التحررية من قبضة الظلم الإيرانية تحولت مع استفتاء كردستان العراق إلى أكثر من مجرد حقيقة تلامسها الأقليات في سجن إيران.