د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يرتبط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعهد الإصلاحات الاقتصادية في السعودية من أجل أن يعطيها دفعة قوية، وهو يعتبر المهندس الحقيقي لرؤية 2030 التي تهيئ اقتصاد المملكة للانتقال إلى مرحلة ما بعد النفط.
لم تثن التحديات التي تواجه المنطقة من تردي أسعار النفط، وما تمر به المنطقة من ظروف سياسية عصيبة، ولا يمكن فصل أحدها عن الآخر، كما لا يمكن رسم خطة تنموية هائلة كتلك التي أذهلت العالم من دون ترتيب أوراق المنطقة سياسيًّا.
لذلك كتب ديفيد أغناطيوس في صحيفة واشنطن بوست على لسان الأمير محمد بن سلمان أن جيل الشباب عاش طوال الـ30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية التي سببت التطرف والإرهاب في المنطقة، فقال نريد أن ننهي هذه الحقبة البغيضة الآن.
نحن نعيش وسط مشرق عربي جريح، تحاصره قوى إقليمية وعالمية، لكل منها مشروعها في ظل اختلال إقليمي كبير، وتبدُّل جذري في المعادلات وموازين القوى الدولية.
لذلك اتجهت السياسة السعودية إلى إنشاء عهد شراكات ذكية لترتيب أوراق المنطقة عبر تحالفات جديدة، وإعادة العلاقات مع واشنطن إلى عافيتها. أي أن السياسة السعودية دخلت مرحلة مختلفة إلى حد كبير عما كانت عليه في العقود الماضية. وهذه الشراكات الذكية تهدف إلى إعلاء المشتركات، والتقليل من حدة التباينات حول القضايا المختلف عليها إلى أقصى درجة؛ إذ حدث في العلاقة مع روسيا خلال العامين الماضيين انتعاش كبير منذ زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى بطرسبورغ ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين؛ إذ لم يمنع التباين بين البلدين في الملف السوري من هذا التقارب.
الحال كذلك مع أمريكا التي استعادت العلاقات معها عافيتها بعد فتور استمر 8 سنوات بفضل ذكاء دبلوماسية السياسة السعودية، وزيارة ولي العهد إلى واشنطن التي نجحت في أن تجعل بلاده المحطة الأولى على جدول الزيارات الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ دخوله البيت الأبيض؛ إذ تم استثمار هذه الزيارة في عقد قمة تاريخية، تجمع لأول مرة 55 قائدًا عربيًّا وإسلاميًّا بالرئيس، ودشنت ما يمكن وصفه بصفحة جديدة في علاقات الغرب بالعالم الإسلامي، أساسها التصدي للتطرف، ومحاربة الإرهاب، وكبح جماح تمويله والداعمين له.
وسيكون من أولويات الرياض التصدي للأنشطة الإيرانية في المنطقة المزعزعة لأمن دول المنطقة، وعلى الأخص في اليمن، بعدما شكلت السعودية تحالفًا، يتكون من 11 دولة، وإطلاقها عاصفة الحزم لمواجهة مشروع الحرس الثوري الإيراني. ولم يكن لبنان بعيدًا عن البوصلة السياسية السعودية التي ساهمت في انتخاب الرئيس عون، وتمكين اللبنانيين من كتابة الفصل الأخير، وتقليص الخطاب الطائفي التحريضي لحسن نصر الله. وبالفعل نجحت السعودية في أن تجعل أول زيارة لعون هي للسعودية، ولم يعد حسن نصر الله ممسكًا بمفاصل الدولة في زمن الفراغ الرئاسي.
كما عززت السعودية من علاقاتها مع العراق لتحصين الأمن العربي من أي اختراقات خارجية، وعلى الأقل تقليصها، ولاسيما عقب سنوات عدة من سيطرة الإيرانيين على بغداد عقب الإطاحة بصدام حسين. على إثر تلك العلاقة زار العبادي مكة المكرمة، وكتبت السعودية والعراق فصلاً جديدًا من العلاقات العربية بين السعودية والعراق، والموافقة على تأسيس مجلس مشترك بين الجانبين للارتقاء بالعلاقات، وفتح المعابر الحدودية المشتركة؛ وهو ما ينعش حركة الاقتصاد المتبادل بين البلدين.
السعوديون في 23 سبتمبر 2017 يستذكرون مسيرة 87 عامًا من الإنجازات المتلاحقة، رؤية المملكة 2030 بُنيت على تلك الإنجازات، وفي الوقت نفسه هي تعيش مرحلة تحول من الاعتماد المفرط على واردات النفط إلى تنويع مصادر الدخل، وخصوصًا أنه في ظل انخفاض أسعار النفط اتفقت الدول على تخفيض حصص الإنتاج لرفع الأسعار واحتواء مخزونات النفط العالمية.
لذلك انخفضت صادرات النفط السعودية إلى 6.693 مليون برميل يوميًّا في يوليو 2017 من 6.889 مليون برميل يوميًّا في يونيو، وكان إجمالي الإنتاج في يوليو 10.010 مليون برميل يوميًّا، وتستهلك المصافي المحلية نحو 2.687 مليون برميل، وتستهلك محليًّا 2.802 مليون برميل يوميًّا، فيما تصدر منتجات بنحو 1.441 مليون برميل يوميًّا، وتبلغ مخزونات السعودية 255.706 مليون برميل.
وتتأهب السعودية لإطلاق مبادرة مستقبل الاستثمار التي تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم، وهي المبادرة التي يستضيفها وينظمها صندوق الاستثمارات العامة، الذراع الاستثمارية للمملكة وأحد أكبر صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، وستشكل نقلة نوعية في مجال الاستثمار العالمي، وخصوصًا أنها ستركز على استكشاف ومناقشة الاتجاهات والفرص والتحديات والقطاعات الناشئة التي ستسهم في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد والاستثمار في العالم خلال العقود المقبلة.
واتجهت السعودية إلى إنشاء مركز يعزز الثورة الصناعية بعدما أطلقت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مركز الابتكار للصناعة الرابعة الذي يحتوي على مصنع المستقبل، أو ما يسمى المصنع الذكي والمتوافق مع الثورة الصناعية الرابعة، والمعتمد على دمج الأنظمة الإلكترونية المادية بالتصنيع.
وفي تقرير صادر عن بيزنس إنسايدر الدولي فإن طرح أسهم عملاق النفط السعودي أرامكو يحظى باهتمام خاص من رؤوس الأموال العالمية، وخصوصًا البريطانية، وهو ما ينظر إليه على أنه خطوة لجذب الشركة إلى سوق لندن. مشيرًا إلى أن القيمة السوقية لأرامكو السعودية - بحسب التقديرات لمؤسسات مالية - تبلغ 1.5 تريليون جنيه إسترليني أو تريليونَي دولار، وهي تعتبر خصخصة جزئية لأرامكو، تمثل نقلة نوعية متميزة في السياسات الاقتصادية السعودية.
وتستحوذ السعودية على 23.7 في المائة من إجمالي الثروات السيادية للدول العربية بنهاية شهر يوليو 2017 بقيمة 697 مليار دولار، من أصل إجمالي ثروات عربية تبلغ 2.94 تريليون دولار موزعة على 16 صندوقًا سياديًّا. وتبلغ الثروة السيادية العربية نحو 39.7 في المائة من إجمالي الثروة السيادية العالمية البالغة 7.4 تريليون دولار، تصدرتها دولة الإمارات بنحو 1.298 تريلون دولار بنحو 44.1 في المائة من الثروات السيادية العربية، تليها السعودية ثم الكويت بثروة سيادية قيمتها 524 مليار دولار.
والسعودية مصممة على تنويع مصادر دخلها، وخصوصًا حينما نرى أن إجمالي الصادرات غير النفطية بلغت خلال النصف الأول من عام 2017 نحو 84.44 مليار ريال مقارنة بنحو 88.14 مليار ريال للفترة نفسها المماثلة من العام الماضي بفارق بلغ 3.7 مليار ريال، لم تبلغ منها الصادرات الكيماوية والمعادن سوى 31.7 مليار ريال، شكلت منها المنتجات الكيماوية نحو 77.1 في المائة بقيمة بلغت 24.42 مليار ريال، فيما كانت قيمة المعادن منخفضة جدًّا؛ إذ بلغت نحو 7.26 مليار ريال. وشكلت المنتجات الكيماوية والمعادن نسبة 37.5 في المائة من إجمالي صادرات السعودية غير النفطية، لم يكن نصيب دول الخليج منها سوى 27 في المائة بقيمة تبلغ 22.83 مليار ريال؛ ما يعني أن السعودية يجب أن تبحث عن أسواق أخرى؛ لأن السعودية هي سوق لدول الخليج، لكن دول الخليج ليست سوقًا للمنتجات السعودية.
ارتفعت الصادرات غير النفطية من 104 مليارات ريال عام 2007 إلى 217 مليار ريال عام 2014، ثم بدأت تنخفض نتيجة انخفاض أسعار البترول إلى 177.7 مليار ريال عام 2016، وهي تشكل نسبة 25.8 في المائة من إجمالي الصادرات بعدما كانت فقط 11.9 في المائة عام 2007.
لذلك شرع الأمير محمد بن سلمان برؤية أشمل وأوسع، تستشرف المستقبل إلى الأمد الذي يسهم في بناء اقتصاد صلب، يواجه متغيرات العصر كافة، ويوفر رفاهية العيش للأحفاد والأجيال المقبلة.
وعلى الجانب الأمني أبرم الأمير محمد بن سلمان اتفاقية لتأسيس شركة متخصصة للصناعات العسكرية في مايو 2017 لتوطين نسبة 50 في المائة من الإنفاق الحكومي العسكري، ويتوقع أن تصبح ضمن مصاف أكبر 25 شركة صناعات عسكرية عالمية مع حلول عام 2030.
وعلى الجانب التنموي؛ إذ تشكل السياحة أحد أهم القطاعات الاقتصادية التي أُهملت في الفترة الماضية، أعلن الأمير محمد بن سلمان إطلاق مشروع سياحي عالمي، يقام على أحد أكثر المواقع الطبيعية جمالاً وتنوعًا في العالم، بالتعاون مع أهم وكبرى الشركات العالمية في قطاع الضيافة والفندقة لتطوير منتجعات سياحية استثنائية على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه. وسيشكل المشروع وجهة سياحية رائدة، تتربع على عدد من الجزر البكر في البحر الأحمر إلى جانب مدائن صالح التي تتمتع بميزة تاريخية.
وإلى جانب مشروع القدية الترفيهي في إبريل 2017، تعتبر أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية من نوعها على مستوى العالم؛ وهو ما يمثل طموحًا وتحديًا في البحث عن كل ما من شأنه رفع مكانة المملكة داخليًّا وخارجيًّا، وتمثل أهم ملامح المرحلة المقبلة.