د. أحمد الفراج
لم يكن يوم السادس والعشرين، من شهر سبتمبر، لعام 2017 يوماً عادياً في تاريخ هذه البلاد، إذ سيكتب عنه المؤرِّخون، وتتذكره الأجيال، فهو اليوم الذي صدر فيه أمر خادم الحرمين الشريفين بالسماح للسيدة السعودية بممارسة حقها في قيادة السيارة، وهو الحق الذي انتظرته طويلاً، إذ أصبح تنقّل المرأة أمراً عسيراً، فقد كانت بين خيارين أحلاهما مر، فإما أن تكون تحت رحمة سائقي سيارات الأجرة، وما يتبع ذلك من مشاكل لا حصر لها، وإما أن تخسر معظم دخلها على سائق أجنبي، وربما أنه لا يوجد ملف تمت مناقشته مثل ملف قيادة المرأة للسيارة، فقد أشبع نقاشاً على كل المستويات، اجتماعياً واقتصادياً وشرعياً، وهناك اتفاق بين جميع المشايخ الفضلاء على أن الأصل فيه الإباحة، وهذا ما أكد عليه الأمر السامي الكريم. إن هذا الأمر السامي الكريم، الذي جاء في وقته المناسب، بعد أن تقبّل المجتمع الفكرة، بل وطالب بها، سيكون له آثار إيجابية كبيرة، فمن الناحية الاجتماعية، سنتخلص من الضيوف الغرباء في منازلنا، أي السائقين الأجانب، الذين أصبحت مشاهدهم مألوفة، سواء وهم ينقلون الأطفال إلى مدارسهم، أو في تجمعاتهم في مشاهد غير حضارية، حول المنازل والمدارس والأسواق، وخصوصاً أننا لا نعرف الكثير عن ماضيهم في بلدانهم، وهناك قصص يتداولها الناس، حصلت بسبب وجود السائق الأجنبي، أما الجانب الاقتصادي، فكل الإحصاءات تشير إلى أن الأسر السعودية ستتمكّن من توفير مبالغ طائلة، كانت تستنزف من ميزانياتها لاستقدام السائقين، ونحن هنا نتحدث عن مليارات، كانت تستقطع من المواطنين، ثم تحول للخارج، وليس هذا هو كل شيء.
استخدم أعداء المملكة ملف قيادة المرأة للابتزاز، ورسم صورة سيئة عن المملكة، وكان هو الملف الأبرز، الذي تفنن الإعلام الغربي في نشر القصص حوله، وبصدور الأمر السامي الكريم، استطاعت المملكة أن تسد هذه الثغرة، ولعل ردود الفعل الواسعة للإعلام العالمي حول القرار تختزل كل الحكاية، وغني عن القول أن الحزبيين السعوديين استغلوا هذا الملف بكل خبث، ففي الوقت الذي يقفون فيه ضد قيادة المرأة للسيارة، من باب المناكفة للدولة وحسب، نجدهم يتحالفون مع نظام الحمدين، لرسم صورة سيئة عن المجتمع السعودي في الإعلام الغربي، الذي يزوّدونه بكل أشكال القصص المفبركة عن انغلاق المملكة، في تناقض فج، لا يجيده إلا ألد خصوم هذه البلاد، وجاء هذا القرار ليلجمهم، فهنيئاً للمرأة السعودية، وهنيئاً لنا جميعاً هذه القفزات التاريخية، التي لم يكن أشدنا تفاؤلاً يتوقّع أن تحدث بهذه السلاسة والسرعة، ولا يراودني شك في أن القادم أجمل، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.