د. محمد عبدالله العوين
ليسجل التاريخ ولتقرأ الأجيال أن يوم الثلاثاء 6 من محرم 1439هـ الموافق 26 من سبتمبر 2017م يوماً ليس عادياً يمر كسائر الأيام ؛ بل هو يوم تاريخي عظيم كتلك الأيام المبجلة التي غيَّرت مسيرة حياتنا وأدخلتنا زمناً جديداً بما صدر فيها من قرارات خطيرة أحدثت تحولات هائلة في مجتمعنا السعودي؛ كقرار تعليم المرأة 1379هـ في عهد الملك سعود، والتلفزيون 1385هـ في عهد الملك فيصل، وأنظمة الحكم الثلاثة 1412هـ في عهد الملك فهد، ودخول المرأة عضواً في مجلس الشورى 1432هـ في عهد الملك عبد الله -رحمهم الله جميعا-، وقيادة المرأة السيارة 1439هـ في عهد الملك سلمان متعه الله بالصحة والعافية .
وبقراءة هادئة لأوقات صدور قرارات التغيير الخطيرة تلك وما بينهما من فواصل زمنية طويلة أو قصيرة نصل إلى أن قادتنا يتخذون القرار في وقته المناسب بعد أن يكون الجدل فيه طال وتمخض عن وضوح رؤية لدى المجتمع وغلبت كفة القبول على الرفض، رغبة من الملك متخذ القرار في وجود موافقة واقتناع لدى نسبة كبيرة من المجتمع، وتبين ضرورة التعجل في إصدار مرسوم ملكي بذلك ليكون نافذاً قابلاً للتطبيق؛ لينهي الأمر السامي الجدل الذي طال ويدخل المجتمع إلى مرحلة جديدة من الخوض في مستجدات طارئة والبحث لها عن رؤى مناسبة، وهذا هو شأن مجمل التحولات الكبيرة التي مرَّ بها مجتمعنا السعودي في طريقه نحو التحديث والمدنية والأخذ بما يفيد من التشريعات والتنظيمات المناسبة دون الدخول في حالات من الصراع والصدام والتناحر بين فئات المجتمع .
غير أن فاصلاً زمنياً قد يكون طويلاً أو قصيراً بين أمر تغييري وأمر تغييري آخر؛ كشأن تعليم المرأة الذي صدر 1379هـ بينما توحّدت المملكة 1351هـ وبدأ تعليم الذكور تعليماً نظامياً قبل إعلان توحيد البلاد في المدارس النظامية التي أمر بافتتاحها الملك عبد العزيز - رحمه الله - وفي المعهد العلمي بمكة 1346هـ مسافة زمنية طويلة تقرب من ثلاثين عاماً بين التعليم النظامي للذكور وصدور الأمر بافتتاح مدارس للبنات، بينما نجد أن وتيرة التغيير تكون أسرع لاحقاً في الزمن المتأخر كما هي الحالة بين دخول المرأة مجلس الشورى 1432هـ وصدور الأمر بقيادة المرأة السيارة 1439هـ في الحالة الأولى الفارق ثلاثون عاماً، وفي الثانية الفارق سبعة أعوام، والسبب المنطقي الواضح الذي لا يحتاج إلى مزيد من البحث سرعة وتيرة نضج الأفكار وسخونة الحوار فيها بتطور وسائل التواصل الاجتماعي ومنها أدوات الإعلام بمختلف أشكاله وصوره، وهو ما ساعد على وضوح المجتمع وجلاء أفكاره وانكشاف تيارات التفكير فيه، مما ساعد صاحب القرار على الحكم بأناة وروية على ما يحسن اتخاذه من قرارات صائبة ترجح كفة الفائدة وترفع من قيمة الإيجابيات على المخاوف المتخيلة عند من ينظر إلى القرار نظرة سلبية .
الدولة - وفّقها الله - هي المبادرة إلى المستقبل، هي من يقود المجتمع إلى التطور والتحديث والتغيير الإيجابي؛ لأن المجتمع ليس واحداً ولا اثنين أو ثلاثة؛ بل ملايين من الناس، وهم طبقات وفئات متعدّدة، فيهم العلماء والمفكرون والمثقفون والمتنورون، وفيهم الطبقة الوسطى اللينة القابلة للتغيير والمتفهمة لضرورة التكيّف مع المتغيّرات والأخذ منها بما يفيد ويثري، وفيهم أيضاً فئة تنظر بوجل وخوف إلى كل جديد، وترى في التمسك بالموروث من العادات والتقاليد القديمة والأنماط المعيشية المتوارثة خير كثير، وأن الجديد دائماً خطر على الأخلاق والقيم، وأن كل قديم مهما كان غير متفق مع المصلحة ولا مستجيباً للضرورات فيه الخير والمنفعة والصلاح . وهنا لا نتحدث عمّا شأن ديني، فهذا لا خلاف حوله، وهو أمر لازم القبول والتطبيق، ولكن نعني الموروث من المفهومات الاجتماعية المتوارثة النابعة من حب التمسك بالقديم لذاته والوجل من الجديد الطارئ .
لا يمكن أن تدع الدولة الرائدة البانية الواعية ذات الرسالة السامية مجتمعها يدور في حالة من عدم وضوح الرؤية أو الصراع والخصام والتوقف عن الأخذ بالضرورات فتحسم الأمر وتفتح أبواب التجديد، وتدع شكوك ومخاوف المتوهمين جانباً ليثبت الزمن لاحقاً صواب ووجاهة سبق الدولة إلى اختصار الزمن كما هو سياق تطور وبناء دولتنا الحديثة خلال سبعة وثمانين عاماً فقط، فقد مرت حالة التحديث بسلاسة وهدوء وانسيابية وسلم اجتماعي، بينما استهلك بناء حضارات إنسانية أخرى قروناً طويلة من الحروب والصراعات والتحولات والإبادات الجماعية.