د. حمزة السالم
يجب أن ندرك أنّ العرض عندنا وإن كان ثابت الكمية - لأنّ كمية الأراضي ثابتة -، إلا أنها بسبب عدم كلفة التخزين، وضمان تضخم القيمة بالزمن وأفضليتها بين بدائل الفرص الاستثمارية، تجعل كمية الأراضي المعروضة، التي تُعرض في السوق، تزيد بزيادة الأسعار وتنقص بنقصها. وهذا مطب آخر قد لا ينتبه له كثير من الاقتصاديين عند تحليل أثر الضريبة على أسعار الأراضي.
فالعرض مرتبط بمدى تحمل الملاّك بعدم عرض أراضيهم في السوق. والتحمل مرتبط بأمرين:
1. بكلفة الاحتفاظ بالأرض دون استغلال، كالضرائب. (وكلفة الضريبة على الأرض يجب أن تكون أعلى من التضخم أو النمو في قيمة الأراضي).
2. قيمة الفرصة الاستثمارية البديلة، مثاله: كالأثر السلبي لطفرة الأسهم على أسعار الأراضي.
فالضريبة تُدرس اقتصادياً بأنها تُخفض من الإنتاج، أي تقلل العرض. ولكن هذا لا ينطبق على الأراضي لأنها لا تُنتج فهي لا تزيد ولا تنقص، لذا فلا وجود للمرونة لعرض الأراضي عموماً عند غيرنا، (وتطوير الأراضي لا يفسد هذا المعنى، فهو سوق أخرى).
ولكن بما أن وضع الأراضي عندنا يختلف عن العالم، (للأسباب التي بينت سابقاً)، فعرض الأراضي عندنا مرن ، لذا فالضريبة على العرض في سوق الأراضي تؤثر على مرونة العرض. (المرونة هي: مدى نسبة استجابة الطلب/ العرض بزيادة أو نقص، لزيادة أو نقص في الأسعار).
ووجود مرونة لعرض الأراضي عندنا الآن، شاهده ما نراه من جلد ومناعة الملاّك ضد نزول الأسعار. فالملاّك لديهم دافع وصبر كبير على عدم البيع إذا نقصت الأسعار.
ولكن متى فُرضت الضرائب السنوية، فسيتناقص مع الأيام ، صبر المُلاّك على تحمل كلفة عدم عرض أراضيهم في السوق، حتى ينفذ الصبر فتنعدم المرونة فتصبح الأراضي كلها معروضة. فهنا ستنعدم مرونة العرض، ويصبح الطلب وحده هو الذي يحدد السعر. والطلب على الأراضي مرتبط بالقوة الشرائية للمجتمع. لذا فالتقشف وانخفاض أسعار النفط، يؤثر سلبياً على أسعار الأراضي.
وبناءً على ما سبق، فالوضع المستقبلي لا يخرج عن سناريوهين اثنين:
الأول، في حال تطبيق فرض ضرائب على الأراضي مع تقشف حكومي. فهذا سيؤدي لنزول شديد في الأسعار. لأنّ الضرائب ستُدخل الأراضي كلها في العرض، بسبب كلفة الاحتفاظ بها. والسعر في حال فرض الضرائب يحدده الطلب. سيُنقص من القوة الشرائية للمجتمع.
الثاني، في حال عدم فرض الضرائب، مع التقشف الحكومي: فهذا قد يؤدي لزيادة الأسعار. فالسعر هنا يحدده العرض، وملاّك الأراضي ستزداد عندهم دوافع الاحتفاظ بأراضيهم مع تناقص بدائل الفرصة الاستثمارية، بالتقشف، وعدم كلفة حفظ الأرض. وبما أنّ كمية الأراضي لا تزيد وبالتالي العرض لا يزيد، بينما الطلب يزداد عاماً بعد عام، فبالتالي ستزيد الأسعار سنة بعد سنة. وأما احتماليات انهيار السوق فهي تزيد كلما تأخرت الضرائب، وذلك لأسباب ثلاثة:
الأول: ما بين التوقعات وما بين عدم وقوعها، سيظل السوق في حالة شك وعدم استقرار. وهي حالة تبني أساسيات الهلع السوقي، الذي سينطلق عند أول بداية تسييل للأراضي.
الثاني: الاعتقاد الخاطئ المنتشر في ثقافتنا بأن العقار ملاذ أمن، تجعل الناس تتأخر عن الاستجابة لإرهاصات انخفاض الأسعار الأولي.
الثالث: أن السوق قد أصبحت له مناعة، بعد التصريحات الرسمية الواعدة بلا تنفيذ.