حمّاد السالمي
احتفل الشعب السعودي كله على كامل ترابه الوطني؛ بالذكرى (87) ليومه الوطني المجيد. مظاهر الفرح التي عمّت مدن المملكة وقراها لم يسبق لها مثيل، ومشاركة شعوب خليجية وعربية زادت المشهد الاحتفالي بهجة على بهجة. شكرًا لكل سعودي وسعودية على هذا الثرى الطاهر. وشكرًا لإخوتنا في الإمارات والبحرين والكويت ومصر هذه المشاعر الطيبة مع السعوديين الذين يكنون لهم كل تقدير وكل احترام.
على مدى تسعة عقود إلا أعوام ثلاثة؛ والفرحة بذكرى توحيد البلاد تتجدد وتظهر معدن السعوديين الذين يحبون وطنهم كما يحبون أنفسهم وأكثر، كما أنها تبرز كفاءة المواطن السعودي في العمل من أجل حماية وطنه والدفاع عنه ضد كل الدسائس التي ظلت وما زالت تحاك لتفتيت وحدته، وشتات شمله، وتهديد أمنه. آخر هذه الدسائس ما تكشف مؤخرًا عن خيانة وطنية عظمى باء بها مجموعة من أبنائه المارقين العاقين، الذين آثروا التعاون مع أعداء بلدهم، وتحزبوا مع (الإخوان الشياطين) الذين يتحركون من الدوحة وإستانبول وطهران، مستهدفين دولاً عربية في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والشام وشمالي إفريقية، وفي مقدمة هذه الدول المستهدفة: (المملكة العربية السعودية).
هذا الأمر ليس جديدًا على المملكة، ولا غريبًا على شعبها. منذ عقود فارطة؛ وهناك من العرب والمسلمين وغيرهم؛ من يكيد لها، ويسعى لزعزعة الاستقرار الذي تنعم به منذ عهد المؤسس والموحد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، فقد استهدفها القومجيون والبعثيون العرب، وخسروا حربهم ضدها، واستهدفها الخمينيون الفرس وما زالوا، وهاهم يندحرون على أكثر من جبهة، كما نالت المملكة من الفكر الظلامي المتطرف الذي كبلها وعزلها عن العالم ردحًا من الزمن، فكم من مرة وأد المحنطون فرحة شعب بأكله في وطنه العظيم، لأن الوطن كما يرددون ملبسين على العامة ومسممين أفكارهم؛ (وثن)، و(الوطنية) وثنية..! وعانت بلادنا الأمرين من المتأسلمين الكذابين، من أولئك الإخوانج الحزبيين والقاعديين والدواعش، ما لم تعرفه دولة في العالم كله، ومع ذلك ظلت بلادنا قوية صامدة، تتكسر على صخرة شموخها كل مؤامراتهم ودسائسهم ونذالاتهم.
هذا الوطن الأبي؛ هو ذلك (الفنار- المنار) الذي كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله يرمز إليه في أحاديثه في مجالسه العامة. هذه رواية ذكرها الأديب المصري الكبير الأستاذ (عباس محمود العقاد)، حتى ولو جاء الكلام على ذكر قيام الجامعة العربية أو آنذاك؛ إلا أن ذكاء الملك عبدالعزيز وفطنته، تفوق الآنية إلى ما بعدها بمراحل. والعقاد هو الذي رافق الملك عبدالعزيز في زيارته الشهيرة لمصر في يناير من عام 1946م، على متن اليخت الملكي المصري (المحروسة)، من جدة إلى السويس، وكان مع جلالته في هذه الرحلة الملكية؛ وفد كبير من الزعماء والوجهاء المصريين، الذين أعدهم الملك فاروق لمرافقة ضيف مصر الكبير، وعلى رأس هؤلاء الأديب الكبير الأستاذ: (عباس محمود العقاد نفسه)، الذي ألقى في حفل الاستقبال بمصر قصيدة عصماء بدأها بقوله:
أسد العرين يخوض غيل الماء
يا بحر راضك قاهر الصحراء
قال العقاد: وشفع جلالته تعليقه على أهمية جامعة الدول العربية قائلاً: كان في مملكة من الممالك؛ منار مغناطيس، يكشف البحار من حولها، وينتزع الحديد من السفينة التي تغير عليها؛ فلا يقدر أحد على فتحها. واشتدت شوكة هذه المملكة؛ فحسدها جيرانها، وأخذوا في تدبير المكائد لهدم منارها، فدسوا عليها جاسوساً من جواسيسهم يتزيا بزي النساك والصالحين، ثم تركوه يقيم فيها ردحاً من الزمن حتى يستجمع الثقة والمودة من أبنائها، وطفق هذا الجاسوس يصنع لهم الكرامات، ويدلهم على مخابئ الكنوز، ويمخرق عليهم بالعجائب، حتى أنسوا به، واطمأنوا إليه، فلما عرف مكانته عندهم؛ جاءهم في بعض الأيام برؤيا يزعم أنه رآها لهم، وأنه يخاف عقباها. وسألوه عمّا يخافه..؟ فأحجم ثم أحجم، وهو يغريهم بالإلحاح عليه كلما اصطنع لهم الإحجام وتردد في الجواب، فلما شوقهم غاية التشويق إلى استطلاع الخبر قال لهم: إني مطلعكم عليه والعهدة عليكم، وإن تحت هذا المنار كنزاً من الذهب والجوهر، يغنيكم عما في الأرض وما رحبت من النفائس والخيرات، ولا تنالونه إلا بهدم المنار. ولكن حذار.. حذار.. من الإقدام على هدم المنار..! يضيف: وكان الرجل كاذباً في نية التحذير، صادقاً في نية الإغراء، فما هو إلا أن سمعوا منه إغراءه بالنفائس والخيرات؛ حتى دكوا المنار دكاً، فعرفوا غفلتهم، واستبيحت حوزتهم، وفقدوا الدريئة، وفقدوا النور، فتمكن منهم من كان من الجيران والأعداء.
كانت تلك؛ رؤيا جاسوس مدسوس على المنار العظيم وأهله.. (الوطن)، فتمكن منه ومنهم، وهدم المنار، واكتسح الأعداء أرض المنار، واستعبدوا أهله. وفي زمننا هذا، يُكثر الجواسيس والأذناب من ادعاءاتهم لمنامات ورؤى يخرجونها للناس في ثوب ديني جذاب، فمنهم من رأى (دولة الخرافة الإسلامية) رأي العين..! ومنهم من رأى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، فحدثه وحادثه، واشتكى له من حُكّام زمانه، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيت وكيت..! وأرشده لكذا وكذا.. زعم.. ومنهم من رأى قتلى أجناد القاعدة وداعش مع الحور العين في الجنة..! إلى غير ذلك من منامات الظلاميين ذوي النوايا الخبيثة لهدم الوطن واستباحته، وتخريب الديار التي يرمز إليها (الفنار- المنار)، ويتداعى الوطنيون المخلصون لحمايتها.
لكلّ داءٍ دواءٌ يُستطاب به
إلا الحماقة أعيت من يُداويها