«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
ودع المشهد الثقافي يوم أمس الأول، الشاعر والكاتب الصحفي حسن بن إبراهيم السبع -رحمه الله- بعد مسيرة حافلة مع الكلمة، التي ما تزال تزخر بها مؤلفاته الشعرية والأخرى السردية، إلى جانب مقالاته الصحفية التي نشرها عبر الصحافة المحلية والعربية، التي تأتي إلى حضور السبع الثقافي عبر المنابر الثقافية داخل المملكة وخارجها، ليظل السبع ملء السمع والبصر بعد رحيله، محققاً بذلك مقولة: «الشعراء.. لا يموتون»، فقد ولد السبع في سيهات 1948م، التي تلقى فيها تعليمه، منتقلاً إلى جامعة الملك سعود في الرياض التي حصل منها على البكالريوس في الآداب، فيما حصل على الماجستير من جامعة أنديانا في الولايات المتحدة، ليظل فقيد المشهد الثقافي خلال مسيرته العملية يحمل مشعل الكلمة الإبداعية عبر ما تضمنته دواوينه الشعرية من نصوص تتدفق إبداعاً شعرياً، ومن خلال ما دونه نثراً، وما كتبه عبر المقالة الأدبية والثقافية والاجتماعية، التي كانت تفيض حساً بالهموم الذاتية الإبداعية لكاتب مرهف الحس، يتلمس هموم الحياة اليومية بمداد قوامه الرقة والعذوبة وحس الطبع الموهوب في تدوين الأفكار كيفما وقعت بين يدي مداده، سواء كان مولدها شعراً أو كانت مقالة، إذ يتميز السبع ببساطة الأسلوب فيما يكتبه عبر السهل الممتنع، الذي يعكس مدى حسه وإحساسه بالأفكار التي يدونها بعيداً عن التكلف وركاكة الأساليب والتقعر في لغة القصيدة والمقالة التي يسعى إلى أن تكون في متناول عموم قرائه.
كما أسهم السبع من موقعه شاعراً وكاتباً في العمل الأدبي والثقافي المؤسسي من خلال عضويته في نادي المنطقة الشرقية الثقافي، إلى جانب عطائه المتواصل الصحفي، فقد أشرف على الصفحات الثقافية في صحيفة (اليوم)، فيما صدر للسبع المؤلفات التالية:
* «زيتها وسهر القناديل»، ديوان شعري أصدره عام 992 م.
* «حديقة الزمن الآتي»، ديوان شعري أصدره عام 1999 م.
* «ركلات ترجيح»، ديوان شعري، صدر في 2003م.
* «بوصلة للحب والدهشة»، الذي صدر عام 2007م.
* «توق الفراشة إلى النجمة»، نثر، صدر في نثر، صدر سنة 2009م.
* «ليالي عنان» رواية، صادرة في 2016م.
لقد تميز أدب حسن السبع، فيما ضمه نتاجه من نصوص شعرية، أو أخرى نثرية، إلى جانب الكثير من مقالاته الصحفية بتوظيف الدعابة وأسلوبه الساخر، ما جعل الكتابة الساخرة مظلة إبداعية تفيأت أعماله ظلالها خلال مسيرته الإبداعية، إذ آمن السبع بأن الكتابة الساخرة ابرز ما يمكن أن يتميز به مبدع ما، وأعلى قدرة يمكن أن يحترفها الأديب فيما يكتبه كان ذلك شعراً أم نثراً، إذ لم يكن الأسلوب الساخر أسلوباً عارضاً في أدب السبع، ولم يكن موجة كتابية حاول أن يركب عبابها كالعديد ممن ركبوا مثل هذه الموجة، الذين غرقوا في لججها على مسمع ومشهد من القراء في الساحة الثقافية المحلية، إذ إن السبع صاحب دعابة وظرف بطبعه فيما يتحدث به أو يكتبه، إلى جانب إلمامه الفكري بماهية الأدب الساخر، وما تعنيه الدعابة وصناعة الدعابة فيما يكتب، ما جعله يصف الأدب الساخر بأنه من الصعوبة بمكان، رغم سرعة الانتشار التي يمكن أن يتحقق لأي نص يحسن كاتبه طريقة توظيف السخرية فيه، وما يمكن في المقابل أن يصنعه الفشل فيه من تكلف وسقوط بين أنظار القراء.
يقول السبع في سياق ما يكتبه بمداد يتخذ من السخرية نقداً ومن الأسلوب دعابة ترسم الابتسامة وتبعث على الضحك: تأثرت بالكاتب جورج جرداق، الذي يعد من أبرز كتاب النقد الساخر، فالدعابة كانت وما زالت مستهجنة، ومن الكتاب من بدأوا هازلين وانتهوا جادين!، رغم أن فن الكتابة الساخرة هادف لكونه الجد في جلباب الهزل، حتي في تراثنا العربي، فكما قيل لا يمكن لمتكبر أن يكون لديه حس النكتة لكون المتكبرون عادة ما يكونون متجهمين! فكما قيل في تراثنا الأدبي: من كانت به دعابة فقد برئ من الكبر! كما لا يمكن – أيضاً – أن ننظر إلى الأدب الساخر شعراً كان أو نثراً من قبيل الضحك من أجل الضحك، إذ تعد هذه الرؤية إلى الأدب الساخر رؤية سطحية غير منصفة لمفهوم هذا الفن، الذي ربما أخفت هندسة «الصرامة» في النصوص الكثير من هذا الفن، وأودعتها أدارج كتابها ومبدعيها، فالحياة تزخر بالكثير من المفارقات التي لا يمكن التعبير عنها أحياناً إلا بالدعابة!
وإذ كان فقيد المشهد الثقافي، قد تميز في شخصه ومداده بالدعابة وحس الطرفة ودماثة الروح، فلم يكن أدبه شعراً ونثراً إلا صورة تشكلت فيها أحاسيس حسن السبع - رحمه الله – الذي تميز أدبه إلى جانب هذا الأبعاد بامتلاكه ناصية اللغة الأدبية من جانب، وامتلاك القدرة على تجسيد الصورة الساخرة من جانب آخر، الأمر الذي جعل من السبع أحد الأسماء الشعرية التي تميزت في كتابة الأدب الساخر، الأمر الذي تشكل فيما دونه الفقيد عبر ثلاثة مسارات، الأول: عبر ما دونه في العديد من نصوصه الشعرية والسردية من خلال ما أصدره من مؤلفات شعراً وسرداً، أما المسار الثاني: من خلال ما كتبه في الصحافة من مقالات اجتماعية ونقدية ساخرة، مثلت الأسلوب الساخر في مجمل ما دونه من مقالات ناقدة ساخرة خصوصاً في الشأن الاجتماعي، فيما تجسّد ثالث المسارات في ديوانه «ركلات ترجيح»، الذي قال عنه السبع: وراء كل ركلة سبب أو قصة، وقد كان سبب اختياري لهذا العنوان، لأن نشرت نصوص هذا الديوان صحفياً، جاء متزامناً مع كأس العالم الذي انتهى بركلات الترجيح، ما جعل من ركلات نصوص الديوان، يمثل كل منها ركلة «اجتماعية» ساخرة!
الشعر يسقط والمراثي أدمعي
ونصائح العطار لم تضبط معي
فسألتها ماذا ترين فأكدت
أم البقاء كما ترى للأصلع!
وفي تحليل رؤيته للكتابة الساخرة قال السبع: الضحك يتفجّر فينا عندما نحس أننا نتعامل مع قضية ما بشيء من عدم الانسجام بين العلة والنتيجة، فإذا كانت قيمة العمل الفني تنبع من درجة الصدق الفني فإنه لا فرق حينها بين هذا الأسلوب وذاك ما دام التعبير صادقاً، لتبقى الكلمة الضاحكة أكثر تأثيراً!
أما عن اهتمامه بالابتكار والتجديد في (الصورة) فقال: لا أعود إلى الماضي لأقف على الأطلال، أو لالتقط صوراً جامدة، فتلك عودة للماضي غير منتجة!
أما في إحدى رسائله لقرائه فقال: ابتسموا فإنكم لن تخسروا سوى تجاعيدكم!