يوسف المحيميد
لم تكد السعوديات والسعوديون يكملون فرحتهم بصدور الأمر السامي التاريخي بالسماح بقيادة المرأة السعودية سيارتها حتى صدر الأمر للجهات المختصة بصياغة قانون للتحرش، وذلك في غضون شهرين، وذلك يعني أن المجتمع سيمضي إلى مزيد من الأنظمة القانونية التي تحمي أفراده كافة؛ وهو ما سينقل المملكة إلى مرحلة متقدمة على المستويَيْن الاجتماعي والاقتصادي؛ فالسماح بقيادة المرأة يعني التخلص مما يقارب مليون و380 ألف سائق يتقاضون 33 مليارًا سنويًّا، يذهب معظمها تحويلات خارج البلاد. وحتى لو تم التخلص من بعضهم، وبالتدريج، فإن ذلك سيوفر الكثير للأسر السعودية، وسيحقق فرصًا وظيفية للمرأة، وحراكًا ونموًّا اقتصاديًّا، وستبقي هذه المليارات في الداخل، وهذا مهم للغاية.
أما العمل على سَن قانون واضح ومعلن عن عقوبات التحرش فهو أمر مهم للغاية، رغم أن معظم أبناء وبنات هذا المجتمع المسلم تربوا على مبادئ وأخلاق إسلامية، إلا أن وجود القانون سيضبط العلاقة بين أفراد المجتمع، وسيعاقب كل من تسول له نفسه التطاول على آخر من الجنسين على حد سواء. وسيخدم هذا القانون العلاقات الإنسانية بشكل عام، سواء في الشارع أو العمل أو الأماكن العامة، وبشكل خاص أثناء قيادة المرأة السيارة.
كل هذه الخطوات في عمر الدولة كانت مهمة وعظيمة جدًّا، وهي ما ستؤسس مجتمعًا حضاريًّا واعيًا، يعرف كيف يتعامل مع المرأة ويحترمها كإنسان وشريك؛ لتصبح عضوًا فاعلاً في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية كافة. هذه الخطوات لم تكن عادية وسهلة للوصول بنصف المجتمع إلى هذه المرتبة، بل قوبلت بتشدد ورفض كل ما له علاقة بتعليم المرأة وتثقيفها ومنحها حقوقها، واحتاجت هذه الممانعة التقليدية المتنامية مطلع الثمانينيات إلى أكثر من ثلاثة عقود للعودة بالمرأة إلى دورها الطبيعي قديمًا، كشريك فاعل في الأسرة والبناء والحقل، بل الانتقال بها إلى دور المواطنة الحقيقية، والشريك المؤثر في المجتمع السعودي الحديث، وفي التنمية وبناء وطن المستقبل.