أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
في خضم الأحداث والمتغيرات، والفتن والتحولات، وفي إطار الجهود التي تهدف إلى حماية دين الله، وتحكيم شريعة الله، ورعاية الأسس والثوابت في هذا العصر تبرز دولتنا المباركة، ووطننا الغالي، المملكة العربية السعودية كقوة إسلامية وعالمية، ومثال واقع حي، وثقل لا يمكن تجاوزه، تأخذ دولتنا بأسباب التطور والنماء وتحافظ على الأسس والثوابت، فكانت مثلا أعلى وقدوة للعالم لا ينكر فضلها وأثرها في هذا المجال وغيره إلا جاحد أو مكابر، لقد مَنّ الله علينا في وطننا بنعمٍ عظيمة، وآلاء جسيمة، أعظمها وأكملها وأتمها وأكثرها تحقيقًا لمقاصد الشريعة في الجماعة والإمامة، والأمن والأمان، والطمأنينة والسعادة: القيام على توحيد الله، وتحقيق هذه العقيدة الصافية النقية غضة طرية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وفهمه منهما علماء سلف الأمة، فأخذ ولاة أمر هذه الدولة العظيمة، والكيان الكبير، المملكة العربية السعودية بهذا الأصل الأصيل، وطبّقوه وحققوه ورعوه منذ البناء الأول لهذه الدولة على يد الإمامين الصالحين: محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله رحمة واسعة-.
وفي هذا العهد الزاهر الزاخر بالخيرات والبركات كان قائد الوحدة والتوحيد الملك الهمام، المجاهد الصالح المغفور له بإذن الله، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه-، الذي قاد أعظم وحدة على هذه الجزيرة، وحقق فيها ما يعد انتصارًا على الظلام والجهل والتخلف والبدع والخرافات، وكل صور البعد عن دين الله، بصورة شهد له بها القاصي والداني، ودانت له بذلك الأمم، وكتب الله على يديه الخير لهذا الوطن الكبير، والكيان المبارك المملكة العربية السعودية، ورسم الطريق للمستقبل ولأبنائه البررة في اعتبار الدين، واعتماده أصلاً للحكم والتحاكم، حينما قال مقولته المشهورة: «أمران لا مساومة عليهما: كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، إني والله، وبالله، وتالله، أقدم دمي، ودم أولادي، وكل آل سعود، فداء لهذه الكلمة، ولا أضن به، وهذا الملك»، وقال -يرحمه الله: «إن هناك شيئين مهمين لا مساومة فيهما أو عليهما، هما: العقيدة والوطن، ليس فيهما أخذ ولا رد، ويجب أن يعي القريب والبعيد هذا الأمر»، واستمر قيام هذه الدولة على هذا الأصل في جميع أدوارها، حتى هذه الحقبة المباركة الممتدة بإذن الله، عهد سلمان الحزم والعزم، سلمان الوفاء والمكرمات، سلمان التأريخ، فكانت فترة حكمه مليئة بالمنجزات التي تؤكد الأسس والثوابت، واعتبار الأصالة والمعاصرة في جميع أمور السياسة، واستشراف المستقبل القريب والبعيد بخطط واستراتيجيات، ورؤى مبدعة لمملكة واعدة، تعتمد القواعد الشرعية، والأصول الثابتة، منطلقًا لحضارة مستقبلية مزدهرة بإذن الله، يقول -يحفظه الله-: «لقد أسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأبناء هذه البلاد دعائم هذه الدولة، وحققوا وحدتها على هدي من التمسك بالشرع الحنيف واتباع سنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم، وخلال العقود التي تلت مرحلة التأسيس إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - ودولتكم ولله الحمد والمنة تسير على خطى النمو والتطور بكل ثبات مع التمسك بعقيدتها الصافية، والمحافظة على أصالة هذا المجتمع وثوابته.
لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسّكاً بالشريعة الإسلامية الغراء، وحفاظاً على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها، وعملاً على مواصلة البناء وإكمال ما أسسه من سبقونا من ملوك هذه البلاد - رحمهم الله - وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها».
وإن من القضايا التي ترجع في الأساس إلى النظرة المجتمعية، وترتبط بتحولات المجتمع، وتغيرات الأنماط المجتمعية، وهي مسألة لا يمكن لأي منصف أو باحث أو محقق أو مدقق أن ينظر إليها بعيدًا عن هذا البعد المجتمعي الذي يبنى على النظر المقاصدي، ويرتبط بمصلحة فئة غالية من المجتمع، وشريحة كبيرة، هم البناء والتأسيس، والأصل والنماء، هم شطر المجتمع وشقائق الرجال :قضية قيادة المرأة للسيارة، فإن الأمر السامي الكريم الذي أصدره الملك الهمام والرجل الحكيم والقائد الذي جعل رضا الله عنه غايته وخدمة شعبه ومواطنيه أولى أولوياته وأهم مسؤولياته ولي أمرنا وباني نهضتنا وحامي وحدتنا بعد الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- فيما يخص إصدار رخص القيادة للرجال والنساء على حد سواء، والسماح للمرأة بقيادة السيارة قرار تأريخي، اعتمد فيه ولي أمرنا -أيده الله-، على النظرة المقاصدية التي توازن بين المصالح والمفاسد، وتغلب أعلى المصالح، وتدرأ أعلى المفاسد، وتنظر إلى المآلات باعتباراتها الزمانية والمكانية وظروفها الآنية والمستقبلية، وتستقرئ الاجتهادات والمتغيرات، ومن المعلوم يقينا أن القضية تعد مجتمعية بالدرجة الأولى، ولا يمكن لأحد أن يدعي قطعية الحكم أو حتمية النظر في المسألة لأن ذلك لا يمكن إلا بنص لا يحتمل التأويل وأين النص؟ والوسائل معاصرة وصورتها القديمة مراكب لم يكن لها من المفسدة ما يوجب التردد في الحكم فضلا عن المنع فيه، وإن المتأمل لهذا الأمر الذي صدر يرى أنه قرار حكيم وصائب، وموفق وإيجابي، وجاء في وقته، وهو قرار مبني على أسس شرعية، وانطلق من حيثيات تنظيمية ومعطيات وحقائق ووثائق وأرقام ووقائع اجتماعية واقتصادية سلبية كانت مصدر معاناة لكثير من أبناء المجتمع، واستثمرت لدى بعض التيارات للتصنيف والتحريض وتقسيم المجتمع ورمي التهم جزافا ولهذا كان هذا الحسم من ملك الحزم والعزم قاطعا للنزاع موجبا لمزيد من اللحمة والاجتماع.
وقد تم عرض هذه المسألة على العلماء قبل الشروع فيها وتمحض الاجتهاد عن خلاف في المسألة ما بين مؤيد ومعارض، فكان الموقف الحاسم من إمام المسلمين وولي أمرهم، والذي يسنده فيه النظر الشرعي، والاجتهاد المعتبر، والاستقصاء التام، والاستشارة الكاشفة، والتصور الدقيق الذي استوفى عناصره من النواحي الشرعية والمقاصدية، لهذا كله أحببت أن أساهم في بيان هذه المسألة وأن أظهر فيها بعض الأبعاد التي تثمر بإذن الله القناعة والتوجه إلى العمل الجاد المخلص، وأسأل الله أن يجعلها خالصة نافعة، موفقة مسددة، فأقول وأستعين الله على ما أقول:-
1 - لا شك أن هذه النازلة كما ذكرنا وأشرنا من القضايا الاجتهادية التي يجب أن يكون الرأي فيها لأهل الاجتهاد والاختصاص، والحل والعقد، ولا يجوز أن تكون وسيلة لكل من أراد الظهور أو الإيقاع بين العلماء، أو غير ذلك من الأغراض مهما كانت، فمسائل الشرع والدين الثابتة منها والاجتهادية مردها إلى أهل العلم الراسخين فيه، وكم من أمر يكون في زاوية ضيقة، ومساحة صغيرة، تتسع فيه الفجوة، وتعظم الهوة بسبب أنه تكلم فيه من لا يحسنه واستغله من ساء قصده، ومن قواعد الشريعة: أن الأمر إذا ضاق اتسع، ومهمة العلماء البحث من خلال قواعد الشريعة ومقاصدها وقواعدها الدالة على أحكامها فيما يكون سببًا للتوسعة على المكلفين، ورفع الحرج عنهم، وإذا استعمل العلماء أدوات الاجتهاد، وأداهم اجتهادهم إلى شأن، ثم بدا من المعطيات ما يستوجب إعادة النظر، فإن هذه قاعدة الشريعة، وأساسها الذي يظهر به كمال هذا الدين وشموليته، وبناؤه على الرحمة والتيسير ورفع الحرج، والفقه الرخصة، كما قال سفيان رحمه الله: «إنما الفقه الرخصة عن الثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد» (رواه ابن عبد البر في التمهيد 8-147).
2 - أنه إذا صدر فيها حكم عن اجتهاد فلا ملامة على المجتهدين، فأدب الخلاف يقضي بأن المجتهد له حق الاجتهاد، وأنه مثاب مأجور مغفور له خطؤه كما دلت على ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفت وغير ذلك: إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة» (مجموع الفتاوى 4-209)، ويجب على الأمة عمومًا، وطلاب العلم على وجه الخصوص اعتبار هذا الاجتهاد، وحصر نتائجه، وعدم استغلالها لأمور أخرى، أو جعلها سببًا للغيبة المحرمة، سواء للعلماء والولاة، والمسؤولية كبيرة في جمع الناس على ولاة أمرهم وعلمائهم حتى لا يندس من يروم خلخلة الأمن، أو الظهور، أو خدمة أعداء الدين والأمة والوطن بهذه المواقف العاطفية.
3 - كما أنه لا يجوز أن يتخذ الخلاف والاجتهاد فيه وظهور رأي بالأغلبية أو العكس ميدانًا للقيل والقال، والخوض والتجريح، والتشغيب على العلماء، وإسقاط هيبتهم أو مكانتهم، أو التوهين من الثقة بهم، أو التعريض بقدراتهم أو اعتماد مرجعيتهم، أو ضرب أقوال بعضهم ببعض وتأليب الناس عليهم، فإن هذه التصرفات لا تصدر إلا من أصحاب الأهواء كما أنها سبب لاضطراب الأحوال، بل إنه يجب النظر إلى هذه المواقف بإيجابية، وأنها مظهر من مظاهر التقوى، والأمانة وتحمل المسؤولية، والورع من إطلاق قول يكون سببًا لخلل أو لانحراف، وأن هذا ما يدين العالم به لله، ويجب أن يعزز هذا الموقف من الثقة، وأن تُعَرَّف الناشئة خصوصًا والناس عمومًا خلفيات هذه المواقف، حتى تبقى الثقة والصلة، وهذا هو شأن المسلمين في كل المجتمعات مع علمائهم واجتهاداتهم، حتى لو فرض أن العالم زلَّ -وليس أحد معصومًا من الزلل- فالواجب إحسان الظن وتقدير الاجتهاد، وبيان الحق بأسلوب يحقق الرجوع، ويحمي سمعة العالم، وإنما أنبه على هذه الجزئية وأؤكد عليها؛ لأن الموقف الذي حصل من هذه النازلة استغل بصورة أو بأخرى، ووقع شيء مما أشرت إليه.
4 - أن المهم في فهم النازلة تحقيق مناط الحكم، وتحرير محل النزاع، والدقة في تنزيل الواقعة على الأدلة والقواعد والمقاصد، فلا يكفي أن يعتمد المستدل على قواعد وسمات دون أن يحقق ويدقق في انطباقها على النازلة، فالتيسير مثلاً قاعدة كبرى، ومقصد ظاهر، لكن يجب أن يكون رفع الحرج متمشيًا مع القواعد والضوابط المعتبرة، وأن لا يكون هو الأصل في استنباط الحكم للنازلة، وهذه قضية مهمة، قد يحال عليها الخطأ في استنباط الأحكام أحيانًا.
5 - إن مسألة قيادة النساء للسيارة ليست من المسائل المنصوصة شرعًا، بل هي من المسائل الاجتهادية التي تختلف فيها المآخذ والمناخات والاعتبارات والحكم الشرعي فيهامن حيث الأصل الإباحة، والأصل في العادات الإباحة، وإنما اختلفت اجتهادات العلماء قبل ذلك نظرًا إلى المصالح والمفاسد التي تصحب الأمر، وجميع العلماء السابقين واللاحقين لم يحرموا القيادة لعينها، ولَم يقل أحد منهم أنها من قبيل الغايات المناطة بأدلة الحكم الغائية، وإنما حرّموها لمفاسدها التي ظهرت بالنظر إلى ظرف الزمان والمكان، وهي متغير يتدرج فيها الناس إلى الوعي والتوسع في الجانب المصلحي، والتطور الاجتماعي سنة كونية ، وإذا كان كذلك فاعتبار المفاسد والمصالح متغير حسب الأزمنة، وإذا كانت هذه مسألة اجتهادية؛ فالقاعدة الفقهية تنص على أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وقد نصّ في القرار على ما يحقق المصلحة ويدرء المفسدة باعتبار الضوابط الشرعية، والقواعد المرعية في هذا القرار.
6 - أن لولي الأمر إذا اختلف أهل العلم في المسألة ذات الشأن أن يأخذ من أقوالهم ما يراه أحرى بتحصيل المصالح الكاملة أو الراجحة، ودرء المفاسد كاملة أو راجحة؛ لأنه أدرى من غيره بذلك؛ وهو لا يتخذ مثل هذه القرارات إلا بعد استعانة ومشورة لأهل العلم والدراية والخبرة كل في اختصاصه، فإن اتخذ ولي الأمر حكمه بناءً على رعاية المصالح, والرؤية المستقبلية الثاقبة بالأخذ بأحد الرأيين, واختيار أحد القولين مما يراه محققًا للمصلحة متفقًا مع المقاصد الشرعية غير مخالف لنص صريح أو إجماع سابق فذلك من مسؤوليته وحقوقه لأن تصرف ولي الأمر منوط بالمصلحة، يقول القرافي -رحمه الله- في الفروق (2-103 الفرق 67): «إعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف, ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم, وتتغير فتياه بعد الحكم عمَّا كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء»، وعلق ابن الشاط في تهذيب الفروق (بهامش الفروق 2-103, وانظر: المنثور للزركشي 2-59)، بقوله: «قلت ما قاله يوهم أن الخلاف يبطل مطلقًا في المسألة التي تعلق بها حكم الحاكم, وليس الأمر كذلك, بل الخلاف يبقى على حاله إلا أنه إذا استفتي المخالف في عين تلك المسألة التي وقع الحكم فيها لا تسوغ الفتوى فيها بعينها, لأنه قد نفذ فيها الحكم بقولة قائل, ومضى العمل بها».
7 - إن تغير الفتوى في هذه المسألة يخضع لتغير العادات والآراء، وقد قرر العلماء اعتبار المتغير في استنباط الأحكام للمستجدات والنوازل ؛ قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: «فاعلم أنّ ما جرى ذكره هنا من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد؛ فليس في الحقيقة باختلافٍ في أصل الخطاب؛ لأنّ الشّرع موضوع على أنّه دائم أبدي لو فُرض بقاء الدّنيا من غير نهاية، والتّكليف كذلك؛ لم يحتج في الشّرع على مزيد، وإنّما معنى الاختلاف أنّ العوائد إذا اختلفت رَجَعَت كلُّ عادةٍ إلى أصلٍ شرعيٍّ يحكم به عليها)، وقد عَقَدَ الإمامُ ابن القيم لهذه القاعدة فصلاً مهمّاً؛ فقال: «فصلٌ في تغيّر الفتوى واختلافِها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنّيّات والعوائد»، ثمّ قال مبينًّا أهميّتَها: «هذا فصل عظيم النّفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلطٌ عظيم على الشّريعة؛ أوجب من الحرج، والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه؛ ما يُعلم أنّ الشريعة الباهرة الّتي في أعلى رُتَبِ المصالح لا تأتي به، فإنّ الشّريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلُّها، ورحمةٌ كلُّها، ومصالحُ كلُّها، وحِكمةٌ كلُّها، فكلُّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرّحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبَث؛ فليست من الشّريعة، وإن أُدخلت فيها بالتّأويل، فالشّريعة عدلُ الله بين عباده، ورحمتُه بين خلقه، وظلُّه في أرضه، وحكمتُه الدالّة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم «.
ولهذا فإن ما صدر من المقام السامي يتماشى مع هذه القواعد العامة والخاصة .وهو مبني على أسس شرعية، فالأصل في هذه العادات الإباحة كما سبق، والضبط الاجتماعي يرجع إلى قيام المجتمع والأسرة بمسؤوليتها ،وبعض ردود الأفعال طبيعة مجتمعية ، لكنها تزول مع التدرج في التغيير الذي يعد سنة كونية، ومنهجًا وأسلوبًا، والقرار السامي كان محكمًا في مسبباته، راجحًا في نظرته التي راعت هذه المتغيرات، وانطلقت من حيثيات تنظيمية، ومعطيات وحقائق وأبعاد مؤثرة ونظرة راعت مصالح كبيرة وظاهرة، لولم يكن منها إلا تجاوز هذه القضية وحسمها لتكون سببًا في مزيد من الاجتماع والألفة والمحبة، وتحقيق أسباب الأمن المجتمعي، وحماية المرأة والأسر من الاستغلال، واستبطنت درء مفاسد متعددة دينية واجتماعية وسلوكية وأخلاقية لا تخفى من قِبل السائقين، وقطع دابر الفتن.
والواجب في هذه الظروف وفي مثل هذه القرارات والأوامر تقدير هذه النظرة الحكيمة، والرؤية الثاقبة، واعتبار الأصل الأصيل والركن الراسخ، منهج أهل السنة والجماعة في الوحدة والائتلاف وجمع الكلمة، والسمع والطاعة، والتعاون والتكاتف والوقوف مع العلماء وولاة الأمر حصنًا حصينًا، وسدًّا منيعًا ضد من يستهدف هذه الوحدة المثالية، ويثير اللبس واللغط ويستقطب العواطف ويستدعي بعض الاجتهادات السابقة ليجعلها مبررًا له ليس في التشويش والتشغيب فحسب، بل في التشكيك وتأزيم العلاقة بين أبناء هذا الوطن المتماسك المتلاحم، ومحاولة تشويه هذه العلاقة المثالية التي تستعصي بإذن الله على التفكك والخلل، ومن مسؤوليتنا أيضًا أن نلهج بالدعاء أن يحفظ الله هذه الدولة خادمة للحرمين، وحامية لمقدسات المسلمين، وحارسة لدين الله على النهج الحق الذي هو نهج أهل السنة والجماعة، وأن يمكّن الله لولاة أمرنا ويزيدهم عزًّا ونصرًا وسؤددًا، وقيامًا بالواجب، وأن يطيل في عمر إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على طاعته، وأن يوفقه وولي عهده الأمين والعضد المتين والركن القوي الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، إلى ما فيه عز الإسلام والمسلمين، والرفعة للوطن والمواطنين، وأن يحفظ وطننا من كيد الكائدين، وإرهاب المعتدين، وعدوان المضلين.
والحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.