ناصر الصِرامي
بعض المقالات وقتية، وليست صالحة لكل زمان ومكان، وهذا المقال واحد منها، فهو مرتبط بالحال والواقع المعاش الان، وأرجو ان لا يكون صالحا للاستخدام بعد عشر سنوات من الآن، طبعا على أمل حدوث تغير اجتماعي- ثقافي افضل يرتقي لتوجهات بلادنا المستقبلية.
كتبت الأحد الماضي عن ضعف اداء مجلس الشورى الموقر، وتأخره عن تطلعات المجتمع اليوم وأجياله الجديدة، كما تخلفه عن طموحات القيادة، وآمالنا الحاضرة والمستقبلية القريبة.
غالبية التعليقات التي وردت تنتقد المجلس بشكل ملفت، وبعضها الآخر ينتقد المجلس المعين، ويدعو لانتخابات تأتي بأعضائه!
ويقدم ذلك على أنه الحل لإيجاد مجلس فعال وديناميكي، والحقيقة عكس ذلك.
اختير أعضاء المجلس بناء على سيرتهم الذاتية، وما يمثلونه من مناطق او بعد اجتماعي -المنطقة- القبيلة مثلا- وجميعهم متعلمون او اصحاب خبرات ادارية مدنية وعسكرية سابقة، ونسبة لا يستهان بها متقاعدون سابقون، عينوا على أمل أن يجلبوا خبراتهم للمجلس الاستشاري، لكن بالرغم من ذلك لازالت العضوية شرفية عند البعض، ولازال الأداء أقل من الآمال!.
وحين يأتي من يقول إن الحل في انتخاب الأعضاء، سأختلف معه من الآن الى خمس سنوات قادمة على الأقل. أمامنا تجربة متواضعة في انتخابات المجالس البلدية، وأمامنا أيضاً عوائق أخرى أمام قيام عملية تصويت ديمقراطية مقبولة ولو بالحد الأدنى، نعرفها جيداً في ظل وجود مؤثرات اجتماعية ودينية طاغية. أمر يحتاج للكثير من الإعداد عبر التعليم وبرامج التأهيل لمعنى الانتخاب والاختيار خارج حدود القبيلة أو عمدة الحارة أو توصيات الداعية ورجل الدين.
يملك المواطن في الدول ذات التجربة الديمقراطية الرائدة صوتاً قادرًا على التأثير عبر الانتخابات مثلاً، أو الحرية الواسع لوسائل الإعلام ومؤسساته، والتي دائماً ما تكون مرتبطة بمصالح ملاكها ومموليها ومعانيها أيضاً.
إلى ما قبل الثورة الرقمية وتوسع شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التطورات التقنية المتلاحقة، كانت قوة الرأي العام تنطلق من وسائل الإعلام، والمظاهرات كنوع من حرية التعبير، والتي تحركها نقابات ومؤسسات للمجتمع المدني، لكن ذلك كان متاحاً في مواقع جغرافية بعينها، نضج فيها التعليم كما مؤسسات المجتمع المدني المحلية، إضافة إلى الدستور والقانون.
لكن هذه الشروط لم تعد اليوم هي الشرط الوحيد لبناء الرأي العام أو سائل تعبيره.
في عصر الإعلام الجديد العابر للجغرافيا والعادات والتقاليد، بما فيها الاعراف السياسية السائدة تغير كل شيء تقريباً.
فالرأي العام اليوم يخلقه المواطن، فقد أصبح كل مواطن صحفيًّا، أو حتى نصف أو ربع صحفي، ولا يمكن الاستخفاف به أو تجاهله..!
ولم يعد الموظف الحكومي صغيراً أو وزيراً بذات الهيبة القائمة، هو في النهاية مجرد موظف دولة يتقاضى مقابلا مستمرا على تكليفه بالخدمة العامة!
من هنا يمكن القول اننا بحاجة إلى مجلس ديناميكي يطغى عليه روح التجديد ليكون متفاعلاً مع المجتمع، مع قضاياه وهمومه الصغيرة والكبيرة بشكل فعال وعملي، يكون أيضاً هو أول من يوجه السؤال للمديرين والوزراء التنفيذيين، قبل وبعد شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد.
مجلس معين باختيار دقيق هو خير لنا مرحلياً من انتخابات ستقدم مصلحة الأشخاص- والقبيلة والمنطقة على حساب الوطن، لا نريد انتخابات الآن، نريد مجلساً أكثر قرباً وفعالية وحركة، مجلساً متجدداً أكثر التصاقاً وفهماً لرؤية المملكة العربية السعودية الحاضرة والمستقبلية، وهذا هو الأهم.