د. حسن بن فهد الهويمل
فقهاؤنا، وعلماؤنا، قدوة، وهداة. عصمهم الله من زلات الألسن. ووقاهم من سلق الألسنة الحداد. وربط على قلوبهم، وثبت أفئدتهم، وألهمهم رشدهم، يتعاملُ البعضُ منهم مع ما يرد عليهم من أسئلة ببراءة، وعفوية، وحسن ظن.
والأسئلة في الغالب أحبولات استدراجية محكمة الصنع، كالأنباء الواردة على ألسنة الفسقة، تحتاج إلى تثبت، امتثالاً لأمر الله:- إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا .
إن هناك شرارَ قومٍ، همهم إيقاظ الفتن، وهز الثقة بالدولة، وبالعلماء الذين تُعَوِّل عليهم الدولة، وتثق بهم العامة.
وهم في ذواتهم على جانب من سعة العلم الشرعي، وحسن النوايا، وسلامة المقاصد، وحب الخير للحاضر، والباد.
فإذا بدههم المتربصون بالأسئلة المفخخة، بادروا بالجواب. وما ورد إليهم خلط للأوراق، وإرباك للدولة، وقد لا يكون لها وجود في الواقع.
فقد تكون النازلة المسؤول عنها [نازلة دنيوية]، لا صلة لها، بالعبادة. والسائلُ المُسْتَدرِجْ يقرنها بعمل مشابه، له مقاصدُ تعبدية بِدْعية.
ثم إنه وبسوء نية يُحَرِّفُ اسم المناسبة، ثم يلقي السؤال على الهواء على هذه الشاكلة:
- ما حكم عيد المولد النبوي، والأعياد الوطنية، التي تمارس فيها المنكرات؟
السؤال بهذه الصيغة مفخَّخ، وملغَّم بثلاث مفتريات: تسميته عيداً، وربطه بالمولد، ووجود المنكرات.
وعيدُ المولد النبوي [تعبُّدي بدعي]، تمارس فيه أعمال، وأدعية، وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان. ومن ثم لا يقرها علماء السلف. وهم محقون في ذلك. وحتى لو لم تمارس فيها المنكرات، فهي باقية على بدعيتها.
أما [اليوم الوطني] فإنه عمل دنيوي، لا تمارس فيه عبادة ولا يُقِرُّ مقِرُّوه المنكرات، وكل عمل دنيوي يظل على أصل الإباحة.
- فهل يلام من يتذكر مناسباته السعيدة، ويبدي ابتهاجه بالإنجازات الوطنية، التي صانت الضرورات الخمس؟.
[الملك عبدالعزيز] رحمه الله، وحَّدَ البلاد بعد شتات. وجمع الكلمة بعد فرقة، وحقن الدماء بعد إثخان في الأرض. وطهّر بيت الله للطائفين، والعاكفين، والرُّكع السجود، وأمن سبل الحج، والتجارة، وأخذ على يد السفهاء، وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحَكَّم شرع الله، وقَرَّبَ العلماء، ورجع إليهم في الأحكام الشرعية.
وكل دول العالم تختار يوماً تستعيد فيه أمجادها، ونحن جزءٌ من هذا العالم. بحاجة إلى المشاكلة، مع الاحتفاظ بالثوابت الدينية.
وفي [يومنا الوطني] نستعيد ذكرى مفعمة بجلائل الأعمال، ذكرى توحيد [المملكة العربية السعودية]، ورفع علم التوحيد.
وكل ذلك شأن دنيوي، لا صلة له بالعبادة، ولا بالأعياد الدينية:- السنية، والبدعية. ولا يُعَد من محدثات الأمور.
وكيف يتأتى ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [أنتم أَدْرَى بِأمُور دُنْياكم]. ويقول بصريح العبارة: [مَا كانَ مِنْ أُمورِ دينكم فِإلَيَّ. وَمَا كَانَ من أمر دنياكم فأنتم أعلم به].
ومن تحفّظ من باب الورع، فهذا له. وليس له أن يحمل الناس على ورعه. وحين أذهب إلى أنّ الاحتفالَ بـ[اليوم الوطنى] عملٌ دنيوي صرف، فإني لَمَّا أزل رحب الصدر بأي مخالف، عنده علم من الكتب. فأنا باحث عن الحق، ولا يعنيني الانتصار.
الدولة تطلب في هذا اليوم إبْدَاء المشاعر. وتناول المآثر، لإشاعة حسنات المؤسِّس، وتعزيز المواطنة في زمن الفوضى الهدامة.
نعم هناك تجاوزات، ومخالفات، مارسها أفراد عن حسن نية، أو سوء نية.
هذه التجاوزات صدرت من مواطنين، ومواطنات. أو من مقيمين، ومقيمات. أو من مجندين، ومجندات، لتعكير صفو المناسبة السعيدة، وإيقاظ الفتن.
ويجب على كل الأحوال تفادي ذلك من جهات الاختصاص، ومتابعتها، والأخذ على يد السفهاء، أو المغرضين.
فالمواطن المحب لوطنه، والحريص على استقراره يسوؤه استغلال المناسبات السعيدة بما لا يليق بمكانة المملكة قيادة، وحكومة، وشعباً.
ونحن حين نبْتَهِجْ بهذه المناسبة نود أن يعبر الجميع عن فرحتهم، وابتهاجهم، بما يناسب الأوضاع، ويكون على مستوى أخلاقيات الوطن.
ثم يجب أن نتجاوز الابتهاج إلى التربية. فأبناؤنا قد لا يدركون عظمة المناسبة، وقيمتها، وأهميتها على كل المستويات. ومجرد التغطيات الإعلامية، عرض زائل.
إن علينا أن نؤطر ابتهاجنا بالشكر لله. لأنها مناسبة تذكرنا بنعم عظيمة. وعلى التربويين، والإعلاميين، والعلماء السعي لتوصيل القيم العملية، والسلوكية إلى أبنائنا، وبناتنا. ليعرفوا قيمة هذه المناسبة، كي يحافظوا على المكتسبات الجليلة.
[اليوم الوطني] درسٌ تربوي، قبل أن يكون مناسبة سعيدة، تمر كسحابة صيف. والعقلاء من المواطنين، والمسؤولين تعاملوا مع المناسبة بما يليق بها. والبعض من المراهقين بلغت بهم البهجة، والفرح حد الإثارة، والإساءة، فكانوا كالمتصوفة لحظة [الوجد]. هذا إذا كانت التجاوزات من المواطنين.
المناسبة بإيجابياتها المتواصلة تغيظ الخصوم الذين أوجفوا بخيلهم، ورجلهم لتشويهها. وعلى المواطن العاقل أن يفترض كل الاحتمالات.
نحن في حرب إعلامية شرسة، يديرها شياطين الإعلام المردة. الذين ينقبون في غياهب التسجيلات، والأفلام، والفتاوى، والاختلافات المشروعة، وحرية التعبير، ويمارسون القص واللزق، و[الفبركة] ليوقعوا العداوة، والبغضاء بين أطياف الأمة، ولكي يحملوا البعض على مسايرتهم، كمنافقي المدينة الذين مردوا على النفاق.
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ .
فالله سبحانه، وتعالى عاتب [أهل الإيمان] ممن وقع في أنفسهم الإرجاف، والإيجاف، وترويج الشائعات، والقبول بها، واتخاذ المواقف المسيئة لبيت النبوّة.
هذه الآية نزلت في أمر أمِّنَا عائشة رضي الله عنها في [حديث الإفك]. ومثل هذه الحادثة قد تقع على أشكال أخرى. فـ[ابن أبي] مات جسداً، وبقي فكراً، وطريقة.
وقد تزل أقدامٌ بعد رسوخها، كما انجرت أقدام ثلاثة من الصحابة [حسان، ومسطح، وحمنة] حين سايروا المنافقين في إشاعة الإفك على الحصان الرزان.
أنا لا أزكي على الله أحداً. ولا أدّعي العصمة لأحد. ولا أستعدي السلطة على أحد، ولا أرفع أحداً فوق المساءلة، والنقد، والمراجعة. كل الذي أريده تلاحم الأمة صَفَّاً: كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ لإجهاض أي محاولة دنيئة.
[اليوم الوطني] مَثَلٌ أضربه وفي المشهد عشرات القضايا، التي تثار للوقيعة. وهي مسائل خلافية. وأخْذُ [ولي الأمر] بأحد القولين رافعٌ للخلاف، حسب مذهب [أهل السنّة، والجماعة]. وآخر الإثارات المغرضة قضية [قيادة المرأة للسيارة].
وحين أُسَلِّم بأنّ كل الناس خطاؤون، وأنّ الخيرية في الإنابة، فإنني أستحضر الواقع، والتآمر على سمعة المملكة، والعمل على تشويه مناسباتها السعيدة، وتجنيد مئات الآلاف من المواقع لزعزعة الثقة بسائر ممارساتها.
فكل أشيائنا عرضة للتشويه. وكافة المسؤولين على جبهات ساخنة، ومشاكلنا في ظل هذه الظروف لا تنبعث بالضرور من بيننا، إنها مكر يمكره العملاء وينجر إليه المغلفون.
وَكُـنْ عَلى حَذَرٍ للـنّاسِ تَـسْتُرُهُ
وَلا يَــغُرَّكَ مِنـهُمْ ثَـغْرُ مُبـتَـسِمِ
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِـدَةٍ
وَأعوَزَ الصّدْقُ في الأخْبارِ وَالقَسَمِ