رجاء العتيبي
لكل عائلة سعودية ثقافتها وبروتوكولاتها وظروفها وحياتها وحيثياتها واهتماماتها وطموحاتها وأهدافها وتقاليدها وعاداتها وقناعاتها، ولكل عائلة سعودية امتدادات قبلية وعائلية وأُسرية وتاريخية وجغرافية، كل هذه العوالم الرحبة لكل أسرة، لا تقبل بأي حال أن يأتي رجل بخلفية معينة ويفرض عليها وجهة نظره الخاصة أياً كانت وجهة النظر، فما تعيشه أنت وما تؤمن به ليس بالضرورة أن يؤمن به الآخرون.
ليس من المنطق أن تلغي تاريخ الأسرة وحياتها وقناعاتها لمجرد أنّ فلاناً من الناس لا يرى قيادة المرأة للسيارة تحت أي مبرر يعتقده، فرض الرأي على الآخرين واستهجان ما يفعلونه ووصفهم بالمخطئين أمرٌ لم يَعُد مقبولاً في ظل استقلال الأسرة، باعتبارها أسرة راشدة تعرف مصلحتها جيداً.
لم يَعُد يحكم المجتمع فرد من الناس، وإنما قوانين وأنظمة صادرة من أعلى سلطة في البلاد، تهدف إلى تحقيق مصالح مرسلة تؤكدها قيمنا الدينية السمحة، فلا مجال للمزايدات ولا مجال لاتهام الناس في عقيدتهم وسلوكهم {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36).
قيادة المرأة للسيارة أمر أقرّته الدولة، وصادقت عليه هيئة كبار العلماء، وتنفذه مؤسسات الدولة الرسمية (المرور، الداخلية، المالية) بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، فهو أمر نافذ يستجيب لحاجة الأسر السعودية وتستفيد منه عوائل عريضة يحقق لها الكثير من التسهيلات: تخفيض تكاليف المواصلات على الأسرة، سهولة قضاء حاجاتها، تقليل عدد السائقين الأجانب، هذا عطفاً على الفوائد الاقتصادية التي أشار لها عدد من المحللين في حينه.
ليس من المجدي أن تجادل في موضوع أقرته الدولة وباركه العلماء وعمّت فائدته كثير من الأسر الذي يمثل لها فرجاً كبيراً، فالأمر ليس (باختيار) أحد من الناس، بقدر ما هو (خيار) لكل الناس، من أراد أن يأخذ به فله ذلك، ومن أراد أن يتركه فله ذلك، لا ضرر ولا ضرار، ولا تثريب.
دعك من المرأة وسيارتها فهي أعلم بشؤون حياتها، أما الأخطاء المتوقعة التي يشير إليها بعض المعترضين، فإنّ القرار أكد على الضوابط الشرعية والمرورية والاجتماعية، ومن تخالفها من النساء تكون في مواجهة النيابة العامة وجهاً لوجه، فهي الجهة الرسمية المخوّلة بالعقاب القانوني.
قرار اعتماد قيادة المرأة للسيارة ليس انتصار أحد على أحد، ولا الانحياز لفريق عن فريق، فكلنا مواطنون ندين بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، ولا مزايدات في ذلك، القرار يحقق حاجة الأسر السعودية ليس غير، خذه على هذا المحمل، ودع الحياة تسير.