عبده الأسمري
الكلمة أداة الخطاب ومنهج الجواب ومنطلق الصواب ومنطق التعامل وأصل المعاملة، قال عنها الله عزَّ وجلَّ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}، موضحاً تشبيهها بشجرة طيبة، موضحاً الحق جلَّ شأنه وصفها وعلوها بأن لها أصل ثابت يعكس قيمتها وأساسها المتين ولها فرع في السماء لما لها من السمو والرقي.
للكلمة أدوار متعدِّدة فمنها يبلور التعامل الإنساني وهي لغة الحديث وصوت المرء وبوح مكنونه وهي انعكاس الإنسان وعنوان اللسان.
الكلمة هي أساس كل الأحاديث وعمق كل التعاملات ومنها تؤطر الأخلاق وتبلور القيم وكم من كلمة رفعت قوماً وأخرى أهبطت أقواماً.
الكلمة هي لبنة البناء الثقافي وأساس المتون الأدبية التي تؤسس للمعرفة.. من الكلمة بدأنا التعليم بعد أن تعرّفنا على سر الحرف وعلانية الكتابة.
أدوار متعدِّدة للكلمة في أجهزتنا النفسية وفي أرواحنا وهي المعلم الأخير للشهادة عند الموت فيما انطلقت منها أول تأتأة لنا لنتعلَّم النطق وصياغة الحديث.
للكلمة أدوار إنسانية مذهلة.. فعندما تنطلق الكلمة وراء الأخرى لتكون جواباً كافياً لمريض ينتظر الدعم الإيجابي والعون النفسي وهنا تكمل الكلمة الدور الإنساني لتكون الأداة الأولى والسر الأقوى وبشكل لا يحتاج سوى إلى قلب أبيض وعقل مستنير كي تتحرك الأوامر من المخ للسان بالنطق وإظهار الكلمة في أجمل حلّتها وأبهى طلتها.
في المجال الإنساني الكلمة أداة التحفيز الأولى ولغة الإيجابية المثلى في مساعدة المحبطين ومعاونة المكتئبين.
الكلمة سلاح إنساني ضد التجبر والقسوة والطغيان فكم لانت القلوب القاسية لكلمات سحرية حوّلت الجمود إلى لين والتسلّط إلى إنصات وهنا تكمن إنسانية الكلمة في تغيير سلوك الآخرين واحتواء غضبهم ومعالجة سوءات بطشهم .
الكلمة وسيلة إنسانية لتطييب الخواطر وتصفية القلوب من الضغائن فالكلمة سحر الحديث الصافي النقي الذي يذيب الخلافات ويفتح أبواب الهجر المغلقة ويمحو غل القلوب.
للكلمة دور إنساني في خطابات الشعوب ولغة السلام فبها تؤطر مناهج الإنسانية على مر العصور وبها تشيع المحبة وينتشر السلوك السلمي ويقضى على الشحناء والبغضاء.
ملكا اليمين والشمال اللذان يرفعان الحسنات والسيئات لكل عبد يسجلان كلماته بدقة وهنا يكمن دور الكلمة إنسانياً في شيوع الحسنى بين الناس وفي انتقاء العبارات وفلترة الحديث إلى حيث ينال الإنسان الأجر ويتعود أن يكون إنسانياً في حديثه وتعامله وفي توجيه الكلمة إلى حيث دورها الإنساني مع الآخرين ليثقل ميزانه وترجح كفته وتمتلئ صحيفته بالثواب والعكس صحيح.
الكلمة ترفع قيمة الإنسان عند ربه وعند البشر فهي تزيد صاحبها ذكراً حسناً وترفع مقامه بالوصف الجميل وهنا تتضح إنسانية الكلمة في قلوب الآخرين.
إنسانية الكلمة أن يكون خطابنا متوازياً مع ما تتطلبه ذواتنا لننقله للآخرين في التعامل والتكامل في كل مجال يكون الحديث فيه رابطاً والكلمة منهجاً والعبارة ارتباطاً ووسيلة ثابتة للتواصل والوصال.
بالكلمة نرتقي ومنها نكون «الإنسانية» بصورتها السامية ومشهدها الأصيل ومعالمها الممتلئة بالمودة والاحترام.. فلنعلم الدور الإنساني للكلمة وكيف نوظّفها في إشاعة الإنسانية بكل تفاصيلها ومشاهدها ونتائجها.