إبراهيم بن سعد الماجد
في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لسمو زير الداخلية بشأن إعداد الوزارة مشروع نظام مكافحة التحرش, أشار الملك المفدى إلى ما يشكِّله التحرُّش من خطورة وآثار سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع, وكذلك تنافيه مع قيم ديننا الإسلامي الحنيف.
الاهتمام الملكي بهذا الموضوع، وإحالته مباشرة لوزارة الداخلية، يشير إلى أن مسألة الإساءة للآخرين بأي شكل من أشكال المعاكسات والمضايقات والتحرش باتت قضية مؤرقة، يتحتم معها الضرب بيد من حديد على كل من يكدر على الناس حياتهم، ويفسد عليهم في طرقاتهم وأسواقهم وأعمالهم.. فلو وقفنا وقفة واحدة مع توجيه نبوي كريم لمن يستخدم الطريق لعرفنا عظم عناية ديننا بحياة وسلامة مستخدمي الطريق, فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله, ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها. قال: فأما إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: يا رسول الله, فما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
كف الأذى تشريع نبوي مؤكد لكل من جلس أو سلك الطريق, وليس مسألة اجتهادية؛ فالنهي جاء بعدم الجلوس في الطرقات إلا بشرط إعطاء الطريق حقه المبين في الحديث الشريف, فكيف بمن يسلك الطريق ويحدث لغطًا، بل يزيد بمضايقة النساء والتحرش بهن، وإيذائهن بالنظرات وما شابه ذلك من أنواع الإيذاء. وكذلك من تؤذي الرجال؛ فربما تكون المرأة هي سبب التحرش، وهي الداعية إليه.
وليس التحرش بالطبع مقتصرًا على الطرقات بل إن ما يحصل في أروقة العمل من مضايقات وأعمال وأقوال مخلة تعد من التحرش الجنسي الذي - للأسف - جاءت المملكة في المركز الثالث به من بين 24 دولة، كشفت عنها دراسة ميدانية أجرتها وكالة الأنباء (رويترز). وأشارت الدراسة إلى أن 16 % من النساء العاملات في المملكة تعرضن للتحرش الجنسي من قِبل المسؤولين في العمل.
وإذا تكلمنا عن بيئة العمل فمن باب أولى السوق والشارع؛ فلا شك أن التحرش سيكون مضاعفًا وخطيرًا ما لم يكن هناك رادع قوي وصارم.
للأسف، إن مشروع التحرش كان مطروحًا على مجلس الشورى من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية منذ سنوات, لكنه بقي يدور ويحور في أروقة المجلس، ولم يأذن الله له أن يرى النور؛ ما استدعى أن يوكل ولي الأمر هذه المهمة لوزارة الداخلية، ويحدد فيها مدة الإنجاز بستين يومًا.
هذا التوجيه الملكي الكريم بالإسراع في وضع نظام لمكافحة التحرش يؤكد ما سبق أن أشرت إليه في مقالتي السابقة من حرص ولاة الأمر على المحافظة على ثوابتنا وأخلاقنا وقيمنا مع أي تطور نقوم به. ومما لا شك فيه أن قيادة المرأة السيارة سيواكبها بعض المخالفات من الشباب ذكورًا وإناثًا؛ ما يستدعي وجود نظام صارم، لا يقبل الاجتهادات، يحد من أي تجاوز يكون سببًا في نفور الناس من الاستفادة من قيادة المرأة السيارة.
المملكة - ولله الحمد - دستورها كتاب الله وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -, وهي تختلف كليًّا عن أي دولة أخرى؛ فهي في أصلها محافظة، وما زالت كذلك, وشعبها بفطرته السليمة مهما كان لا يقبل إلا أن تكون الأخلاق والقيم هي المسيطرة على أي تصرف يصدر منه أو عليه؛ لذا فإن مشروع مكافحة التحرش سيكون بكل تأكيد ترسيخًا لما هو موجود في دستورنا الخالد ومأخوذ منه بكل تفاصيله، مع وضع العقوبات والجزاءات الرادعة الواضحة التي توقف أي مستهتر أو شاذ عند حده.
وحتى تتضح الصورة أكثر لقارئ هذه المقالة لا بد أن نعرف معنى التحرش. ففي بعض التعريفات له:
(Harasser المتحرش)
قد يكون المتحرش فردًا أو مجموعة من الأشخاص, وقد يكون رجلاً أو امرأة, وقد يكون غريبًا أو قريبًا, كما أن المتحرَّش به قد يكون فردًا أو مجموعة من الأشخاص. والتحرش يصدر من الرجل للمرأة، لكنه قد يكون العكس, وهو ما يطلق عليه (التحرش العكسي)؛ وهذا ما يجعلنا نؤكد أهمية أن يكون المشروع شاملاً لوقوعات ربما تصدر من المرأة ضد الرجل.
أختم مقالتي هذه بتعريف علماء النفس لمن تصدر منه هذه التصرفات بأنه نتيجة ضعف النشأة الاجتماعية للفرد منذ صغره، أي منذ طفولته, وربما نتيجة قصور في الشخصية والرغبة في التفاخر والتباهي لتعويض هذا القصور, وربما نتيجة عدم الاستقرار النفسي والعائلي.
نسأل الله أن يديم على بلادنا أمنها وإيمانها واستقرارها تحت قيادتها الرشيدة, وأن يمد قائد مسيرتنا وولي عهده بعونه وتوفيقه.