غسان محمد علوان
جميلٌ جدًّا هذا الحراك الذي يشهده الوسط الرياضي في التعاطي مع الأحداث التي تتوالى تباعًا، بعضها جميل، والآخر غير ذلك. وهنا طبعًا لا أعني بكلامي حديث المتشنجين أو بعض الإعلاميين أو المشجعين الذين تحركهم الكراهية، ويقودهم التعصب للأندية أو للفكرة والرأي.
فالبعض لا يزال يعتنق مبدأ (طبطب وليّس يطلع كويس) متجاهلاً رأيه الشخصي وقناعاته، وحتى ما يراه من صواب أو خلافه. ونتيجة لذلك ظهرت عينات مختلفة من الآراء، لا تتسق إطلاقًا مع مبدأ الرأي الحقيقي. فهناك أشخاص - وهم كثرة - أصبحوا يعتنقون مبدأ (حامل الراية) دون إعمال للعقل أو الذكاء النقدي؛ فأحدهم منذ اللحظة الأولى للتعاقد مع مدرب أو لاعب، أو حتى مع تعيين رئيس أو إداري في النادي، يجد أمامه وعلى طاولته رايتَيْن (ضد ومع)، ويختار أحدهما بطريقة عشوائية، ثم يعتنقها ويتمسك بها كتمسكه بالحياة نفسها؛ فهو لا يعطي نفسه مرونة المراقبة والمتابعة ثم إصدار الرأي، ويبدأ بالتصيد لآراء مخالفيه كلما حصل حدث يتسق مع ما كتب على رايته. وفي الوقت ذاته يبدأ في اختراع الأعذار المنطقية وغير المنطقية نصرة لتلك الراية التي انتخبها متى ما حدث ما لا يوافق ما كتب عليها.. متخذين من تلك الراية شرفًا يجب أن يصان، وكرامة يجب أن لا تهان.
ففي لقاء إذاعي مع الرائع عبدالرحمن الحميدي بعد لقاء الهلال مع بيرسيبولس الإيراني أشدت كثيرًا بسلمان الفرج، وقلت ما نصه: «سلمان كان نجمًا فوق العادة، تحمَّل الجزء الأكبر في منطقة المحور بعد طرد شريكه فيها عبدالله عطيف». فقال لي المذيع: «ألا ترى أن هذا الطرح يأتي دومًا بعد فوز الهلال، ويأتي عكسه عند التعادل أو الخسارة»؟ فقلت له: «هذا الطرح يأتي بعد أن يبدع سلمان ويلعب بجدية مسخرًا إمكانياته الكبيرة للفريق، ويأتي نقيضه عندما لا يقوم بذلك؛ فليس لنتيجة اللقاء الحكم الأوحد لتقييم مستوى اللاعب أو حتى الفريق».
نوع آخر من المتابعين أو الإعلاميين أو المشجعين أصبح يراهن على أي شيء بالنجاح أو الفشل، فإن صدقت النبوءة نفخ صدره، وقال: «قايل لكم»، وإن لم تصدق فحذف التغريدة أو الدعاء بعدم تذكر الآخرين لما قال كفيل بإنهاء القضية. لا ضير في المراهنة على النجاح أو الفشل استنادًا إلى معطيات وعوامل تدعم هذا الرهان، أما رميها جزافًا فهو عبث لا يعتد برأي صاحبه إطلاقًا. تمامًا مثل ذلك الذي قال «أراهن على نجاح ماتياس بريتوس محترف الهلال الجديد». وهذا الرهان أتى بعد أن شارك اللاعب في أكثر من مناسبة مع الفريق الهلالي، وفشل فشلاً ذريعًا في تقديم نفسه كلاعب كرة قدم حقيقي قبل تقديم نفسه كصفقة ناجحة. فهل هذا الرهان كان بسبب معرفة تامة بأن اللاعب بعد متابعة طويلة سابقة يملك الكثير، ولكن لم يوفق إلى الآن؟ هل اللاعب يلعب في غير مركزه، وسيمسح كل تلك الصورة الباهتة فور إشراكه في مركزه الحقيقي؟ هل رأيت منه في التدريبات أو في الفرق التي مثَّلها سابقًا مستوى رائعًا أو مميزات محددة، ستكون سببًا في تلافي قصور معين في الفريق، وسيكون على إثرها صفقة رائعة ومفيدة؟ فكانت إجابته «لا، ولكن أراهن عليه»!!!
هذه الرؤى وهذا المنطق في التعامل مع الأحداث أنتج تصلبًا للرأي لم يسبق له مثيل، بل أصبح سببًا في عداوة البعض للبعض الآخر لدرجة البحث عن الأخطاء وتصيدها والتعريض بها لمجرد الاختلاف في الرأي.
نتمنى أن نصل لمرحلة من النقاش والوعي الحقيقي في التمييز بين الآراء التي تحكمها تصرفات غيرنا (من لاعبين ومدربين وإداريين)، فتختلف بشكل طبيعي باختلاف التصرف ذاته، ومبدأ الإنصاف الذي يجب أن نعتنقه جميعًا لما فيه من مصالح جمة، تجعل من المصيب يجني ثمار تعبه بالإشادة والمديح دون أن يخالجه شك المجاملة أو التطبيل، وتجعل من المخطئ منتبهًا لما أخطأ فيه دون أن يعتقد أن وراء ذلك النقد حقدًا أو حسدًا أو محاربة لشخصه. نتمنى..