عبدالوهاب الفايز
والآن انتهينا إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة، الذي لم ننته منه بعد هو دروس وتطبيقات ما بعد السماح.. ويهمنا هنا الوقوف عند التبعات الوطنية التي تمس الاستقرار وبنية الدولة، والاعتبارات الفنية الموضوعية لنزول المرأة إلى القيادة في شوارعنا، بالذات القيادة في (الدوارات) والتقاطعات المهملة من دون إشارات، حيث الوضع هو: قد فاز من كان جريئًا!
على المستوى الوطني، قرار السماح لقيادة المرأة للسيارة صوره البعض على أنه انتصار لفئة مؤيدة على أخرى رافضة، وهناك من ذهب بعيدًا وقال: إن الملك سلمان ينتصر للمرأة، وهذا استنتاج لا يتفق مع أدبيات الحكم المتوارثة، فالملك عادة لا يمكن أن ينتصر لفئة على أخرى، فهذا يقود للانشقاق، فمنذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ينتصر الملك للحقوق الأساسية وللمبادئ والأخلاقيات وللمصلحة العامة، فالملك إذا رأى أمرًا ينفع الناس هنا يعزم ويتوكل، وهذا حق تكفله الشريعة لولي الأمر، وهنا تكون طاعة ولي الأمر أمرًا واجبًا، وهذا هو الذي يفسر حالة التأييد الكبيرة لقرار السماح لقيادة المرأة، فالذين أيدوا وباركوا (وهناك من سخر منهم!)، إنما يأخذون بهذا المبدأ في السياسة الشرعية، ليس خوفًا أو هربًا، بل هو الحق.. والحق أحق أن يتبع.
في هذا السياق جاء الأمر السامي الذي أصدره الملك سلمان، فالسماح للمرأة بالقيادة ينتصر إلى المبادئ والحقوق الأساسية للإِنسان، والمؤسف خروج تلميحات وتفسيرات بعيدة عن الواقع السعودي، فلا يمكن لأي ملك سعودي أن ينتصر لفئة على أخرى، أو ينتصر لرؤية معينة ضد غيرها، هو قرار يراه ولي الأمر يحقق المصلحة الوطنية لبلاده، فالمرأة مواطنة ومن حقها أن تتمتع بالحقوق الأساسية التي يكفلها دستور البلاد في وطنها.
أيضًا القرارات التي ياخذها ولي الأمر هي دائمًا تعطي الحقوق الواجبة، وتأخذ من الفقه الإسلامي رؤيته العميقة والمتسامحة التي تتجه إلى التوسيع والتسهيل على الناس أمور حياتهم، ومن قواعد الفقه، إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع الأمر ضاق، أي إذا ظهرت مشقة في قضية معينة، فالرخصة إذن تتسع، فالمشقة تجلب التيسير، والله سبحانه وتعالى يقول: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). ومنع المرأة من القيادة تضييق عليها ويجلب المشقة لها ولأسرتها وللمجتمع.
ومنع المرأة من القيادة كان من الأمور التي أساءت لتطبيقات الشريعه الإسلامية، وهناك من استغل هذا الجانب ليقدم الإسلام على أنه دين لا يتماشي مع الحياة المعاصرة، ومثل هذا التصور السيئ ظل يستغله من لهم مصلحة في الإساءة لنا وللإسلام، ونحن نعرف أن منع القيادة لا تسنده أدلة صريحة من القرآن والسنة، إنما هو اجتهاد.
الذي نطمئن إليه هو أن التحديث للدولة والمجتمع ينبع من احتياجاتنا وتطلعاتنا، تحديث لم يُفرض علينا، وكل خطوة يتخذها ولي الأمر تجد القبول لأنها تحقيق لمطالب اجتماعية وتأكيد لحقوق. في مسار التحديث طبيعي أن يكون هناك القلق من التغيير لدى فئة من المجتمع، وهؤلاء لا يمكن الإنكار عليهم حقهم في إبداء المخاوف والمحاذير، فهذه طبيعة النفس البشرية، تخشي التغيير خوفًا على الأمر الواقع الذي يريحها، ولكن عندما تتأكَّد أن الأمر الواقع باقٍ ولَم يتبدل حينئذ ترتاح وتصبح رائدة في إحداث التغيير الإيجابي.
وعمومًا، الذي سوف يكون العقبة الكبرى أمام قيادة المرأة، ليس الموقف المتحفظ فهذا أصبح من التاريخ، الجهاد الأكبر الآن هو في أوضاع شوارعنا وسلوك القيادة الصعب الذي يحمل المخاطر الحقيقية، فالمرأة عندما تنزل الطريق سوف تكتشف حجم المعاناة مع القيادة.
السلامة المرورية أحد الإشكالات الكبرى التي لم نتخذ فيها خطوات حاسمة تجعل شوارعنا أكثر أمانًا، فالمملكة تأتي في قائمة الدول في حوادث المرور القاتلة وإصابات الإعاقة المستدامة. إن أمامنا مشوارًا طويلاً لتحويل شوارعنا إلى بيئة آمنة للقيادة، فتصاميم الطرق ينقصها الكثير من اعتبارات وضرورات هندسة المرور والنقل، وهذا يجعلها من العناصر الأساسية المسببة للحوادث.
ومع اتساع المدن المستمر تراجعت عملية الضبط والردع المروري، وبقيت في مستوياتها الدنيا، وحتى نظام ساهر محدود الانتشار وبالتالي محدود التأثير، وهذا أدى إلى تصاعد مظاهر تدهور سلوكيات القيادة، بالذات النزعة الكبيرة لدى أغلبية قائدي المركبات إلى السرعة الجنونية في شوارعنا. كيف تتعامل المرأة مع حالة الانفلات هذه!؟