هدى بنت فهد المعجل
خلق الله البشر وترك لهم خيارات متعددة.. خيار الخير والشر.. الاستقامة والانحراف..
الصدق والكذب ومنطقة بينهما..
الرضا والسخط والتذبذب..
التقدم والتراجع أو البقاء في المكان دون أن يحيد عنه..!!
تركهم وفق ما ينتهون إليه.. بحيث أصبحنا في الحياة بناء على ما نختار، فيها، ونقرر ولا مجال لأن يفرض علينا ما لا نود أو نختار..!!
خيارات متعددة عند الأكل.. اللبس.. التنقل.. التثقف والاطلاع.. وفي جميع حالاتنا، ورفضنا لكل ما نلزم ونطالب به رغما عنَّا.. فكيف ببعض مجمعات التسوق التي تلزم الزائر بخيارين عند الانتقال من الدور الأرضي إلى الأدوار العلوية ولا مجال لخيار آخر ضاربة الرياضة في عرض الحائط..!!
ثلة مجمعات تجارية حصرت الصعود إلى الأدوار العليا على وسيلتي صعود لا ثالث لها.. المصعد أو السلم الكهربائي المتحرك.. في حين ألغت الدرج.. ما أسميته (السلم الذاتي).. كأنما الحضارة تفرض علينا إلغاءه.. غير مهتمة بدور الدرج في إنقاص الوزن وتنشيط الدورة الدموية وتحريك للساقين وتنشيطهما.. الكسل بنا امتد فألزمنا بالوقوف على عتبة تصعد بنا إلى الأعلى دون أن نحرك ساقنا أو نمرن أقدامنا على وطء الأرض..!!
الخيارات المتعددة حينما تقدم لنا، ينبغي أن لا ينقص منها خيار أبداً بحيث نلبي ونرضي كافة الأذواق ومختلف المطالب والأهداف.. وفي قصر الصعود إلى الأعلى على وسائل وإهمال أخرى بخس أيما بخس..!!
أتفق مع من يرى ندرة الاعتماد على السلم الذاتي-الدرج.. في حين أن الندرة لا تبرر القصر.. ربما ينظر على اعتمادك عليه أنك تأتي بأمر نشاز لأن الجميع استغنوا عنه وفضلوا عليه الكسل والراحة، لكن من يعي ما يأتي به من تصرفات لن يعنيه الرؤية القاصرة نحوه.. طالما أن الطعام المتعدد إذا قُدِّم يأخذ منه كل شخص ما يشتهي ويدع ما لا يشتهي لمن يشتهيه.. والخطأ إن حُصر الطعام على نوع واحد وأُلزم كافة الأفراد على تناوله.. حينها سيتناولونه مرغمين لأنهم جياع.. والجائع لا يستطعم الطعام وقلما يتلذذ به إذا تمكن الجوع من معدته.. فقد يأكل ما لا تقبله نفسه لأنه جائع.. في حين لو قُدِّم له بجانب طعام آخر يحبه.. أو وهو شبعان ففي مسألة تناوله له نظر!!
والملاحظ أن مبدأ الخيارات المتعددة لم يطبق بعد في مؤسسات التعليم بمراحله كافة.. فالطالب أمامه عدة مناهج عليه دراستها كلها وحضور حصصها مع عدم التخلف، وليس له اختيار مادة وترك أخرى، وهي سياسة أرى أهمية مراجعتها وإعادة قولبتها من جديد.. فمن حق الطالب أن يتم الاهتمام بميوله ووضعها على طاولة النقاش.. وأجد أنها من ناحية تربوية تنمي في الطالب ملكة الثقة بالنفس.. وتعزز لديه الحرية الشخصية.. وتجعله يقف على موهبته وميوله ثم يوليها الاهتمام والرعاية من خلال فكرة الاختيار من الخيارات المتعددة.. دون إغفال مواد ومناهج لا مجال لفتح الخيار معها لأنها من أساسيات حياته وثوابتها.
أضف إلى ذلك أن بعض الأسر تلزم أبناءها وبناتها بصفة واحدة للحياة وللملبس والمسكن ملغية الخيارات المتعددة فيها من أجندتها الأسرية.. وما من حق يمتلكه الابن من أجل تغيير وضع سرير نومه.. أو ديكور غرفته.. ولون سيارته طالما في أجندة أسرته أم وأب يؤمنون بأن الطفل بين أيديهم مُسَيَّر وليس مُخَيَّر.. غير ملمين إلماماً جيداً بقانون التسيير والتخيير.. أو متى يطبق.. وعلى من؟ ومتى لا يمكن تطبيقها!!
إذاً فالخيارات المتعددة قانون ونظام حياة ينبغي الأخذ به في أمورينا كلها كي نصنع منَّا وممن نحتك بهم من أسرنا والآخرين شخصية فذَّة، يعتمد عليها، قادرة على مواجهة الحياة ومجابهتها بقلب قوي وعقل متفتح وفكر حُر لا يرضى أن يعطل أو يصادر ويقمع أو يدفن في قمقم تقليد توارثناه أباً عن جد توارث حجري لا أكثر.