«الجزيرة» - محمد السلامة:
اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي بشكل متتابع خطوات فعلية في تنفيذ عمليات إصلاح اقتصادي جريئة، تشمل تصحيح أسعار الطاقة (البنزين والديزل)، في مسعى لمعالجة الخلل الهيكلي الذي تسبب به الاستمرار في هذا الاتجاه على اقتصاداتها. وهنا لفت اقتصاديون في حديث لـ«الجزيرة» إلى أن دولا خليجية شرعت منذ بداية العام الماضي والجاري في تصحيح أسعار الوقود إما برفعها أو تحريرها لأسعار عالمية في نهج يعد من ركائز الإصلاح الاقتصادي بدول المجلس للانتقال لاقتصاد منتج ومالية عامة مستقرة، إلى جانب أن الخطوة ستمكن من زيادة كفاءة الإنفاق الحكومي، ومعالجة العجز في الميزانيات، وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى القضاء على بعض سلوكيات الاستهلاك السلبي للطاقة.
وقال الاقتصادي محمد العنقري: إن الهيكلة الاقتصادية التي تعيشها المملكة حالياً تعد من الأكبر تاريخياً حيث تهدف لاقتصاد مستدام بتنميته ولا يعتمد على إيرادات النفط ويكون الدور المنوط بالجهات الحكومية الإشراف والرقابة فيما يأخذ القطاع الخاص زمام المبادرة بالتشغيل والتنفيذ، لافتا إلى أن الوصول لتلك الاهداف لابد من إجراءات عديدة ترفع من كفاءة الاقتصاد وترشد الإنفاق وترفع التنافسية وتعيد توزيع الدعم للمستحقين، حيث يبلغ حجم دعم الطاقة أكثر من 300 مليار ريال سنوياً مما يشكل عبئاً على الاقتصاد ويرفع من مستوى الهدر والاستهلاك.
وأشار العنقري، إلى أن رفع أسعار الطاقة بدأ العام الماضي بنسب طفيفة لإعادة الاسعار لمستواها قبل نحو عشرة أعوام، لكن الخطة الحكومية لإعادة هيكلة الأسعار ارتكزت على توجيه الدعم لمستحقيه من خلال برنامج حساب المواطن الذي سيعوض الشرائح المستحقة لدعم الطاقة عن ارتفاع اسعارها، وكذلك الآثار التي قد تنتج عنها كارتفاع أسعار السلع والخدمات في خطوة مهمة لدعم الأسر على تكاليف المعيشة وعدم المساس بقدرتهم الشرائية وتلبية احتياجاتهم، مما أجل برنامج هيكلة الدعم حتى يتم الانتهاء من وضع سياسات برنامج حساب المواطن التي يتوقع أنها اكتملت.
ونوه العنقري إلى أن كافة دول الخليج رفعت أسعار الوقود وحررتها لأسعار عالمية في نهج يعد من ركائز الاصلاح الاقتصادي بالخليج للانتقال لاقتصاد منتج ومالية عامة مستقرة، مبينا أن سلبية دعم أسعار الوقود تتمثل في أن المستفيد المستهلك الكبير منه يغلب عليه الاستهلاك السلبي، إذ يبلغ أكثر من 800 ألف برميل يوميا لقطاع النقل من الديزل والبنزين مما يشكل 23 % من حجم استهلاك النفط محليا. وتابع: فالمملكة تعد خامس دولة بالعالم في استهلاك النفط وهي لا تحتل نسب المرتبة بالاقتصاد العالمي حيث يبلغ حجم الاستهلاك قرابة 4 ملايين برميل نفط ونفط مكافئ يوميا ويفوق استهلاك ألمانيا رابع اقتصاد عالمي الذي يبلغ 2.2 مليون برميل وحتى مع استخدامها لطاقات بديلة إلا أن كفاءة الاستهلاك تعد عالية مقارنة باستهلاك المملكة، حيث «نستورد جل اجتياجاتنا وأغلب صادرتنا نفط أو مشتقاته ولا يوجد ذلك الحجم الكبير من السلع غير النفطية نصدرها مما يعني أننا نفقد كثيرا من الطاقة دون مردود اقتصادي»، وهو ما يتطلب إعادة رفع كفاءة الاستهلاك وإحدى أدواته رفع الدعم، لأن انخفاض الأسعار لعب دورا بارزا في زيادة الاستهلاك خصوصا بالنقل الذي يعتمد فيه الفرد على المركبة الخاصة لرخص الأسعار ولمحدودية دور النقل العام داخل المدن وخارجها.
ونبه العنقري إلى أن اعتماد المملكة على النفط في موارد اقتصادها ومع ارتفاع الاستهلاك الكبير فإن تراجع حجم صادراتها النفطية أمر محتمل مالم تتخذ تدابير تحد من نمو الاستهلاك السلبي للنفط، ولذلك فإن إصلاح الأسعار سيلعب دورا بارزا في تراجع الاستهلاك الكبير غير المفيد للاقتصاد. وقال: فوجود 12 مليون مركبة بالمملكة يستهلك الكثير من النفط بخلاف خدمات الطرق وصيانتها وإنشائها يرفع الاستهلاك بمعدلات عالية، ومن المحتمل إذا بقيت نفس العوامل بانخفاض أسعار المحروقات وعدم إنشاء أو ضعف شبكات النقل العام فسيصل عدد المركبات إلى 26 مليون مركبة عام 2030، مما يعني ارتفاع استهلاك قطاع النقل للضعف، وهذا ما سيؤثر سلباً على تصدير النفط وحصص المملكة في الأسواق العالمية، إلى جانب أنه سيتطلب انشاء مصاف للتكرير محلية وحرق لثروة طبيعية على استهلاك سلبي لا يذهب للصناعة أو أي قطاع منتج، بل سيحرق بخزانات المركبات الخاصة وتتقلص فرص الأجيال القادمة بالاستفادة من عوائد هذه الثروة الطبيعية بانخفاض صادراتها، وبعدم تغليب الاستهلاك الإيجابي على السلبي.
وخلص العنقري بالتأكيد على أن أضرار ارتفاع استهلاك النفط الذي لا ينعكس على الاقتصاد بزيادة إنتاجيته وصادراته غير النفطية سيكون كبيرا في المستقبل مالم يعالج بإعادة توزيع الدعم وخفض الاستهلاك بطرق عديدة، منها رفع الدعم والتوسع في مشاريع النقل العام داخل المدن خصوصا المدرسي والجامعي وأيضا خارجها، وكذلك شبكات القطارات بين المناطق لنقل الركاب والبضائع، إلى جانب إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادرعديدة لما لذلك من دور في خفض التكاليف واستيعاب متغيرات تأثير رفع الدعم عن الطاقة على السلع والخدمات.
بدوره، يرى الاقتصادي أحمد عبدالرحمن الجبير أن عملية تصحيح أسعار الطاقة في المملكة سيساعد في زيادة الإيرادات الاقتصادية للوطن، وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني على أسس موضوعية، كما ستؤسس لمرحلة جديدة تسهم في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والإنتاج الصناعي، وتوطين الوظائف، والانطلاق نحو اقتصاد أفضل، إلى جانب تعزيز حجم القوة والمتانة الاقتصادية للمملكة، وزيادة معدلات النمو والخصخصة لرفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، لتحقيق نمو اقتصادي سعودي مستدام. كذلك ستستهدف تعزيز مصادر الدخل غير النفطي للمملكة، والمحافظة على سلامة المجتمع، وستمكن المملكة من زيادة كفاءة الإنفاق، وجذب عوائد مالية لخزينة الدولة، ومعالجة العجز في الميزانية، وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى القضاء على بعض السلوكيات في استقدام العمالة غير المفيدة، وتركها دون عمل، مما يتسبب في بقائها مخالفة للأنظمة وقوانين العمل في المملكة دون أي إضافة للتنمية الاقتصادية الوطنية.
وقال الجبير، إن الظروف الاقتصادية عالميا وإقليميا اختلفت اليوم، خصوصا في ظل ما تشهده مستويات اسعار النفط من هبوط، لذا أصبح من الواجب علينا كمواطنين أن ندعم الدولة في برامجها للتحول الاقتصادي 2020 في ظل الرؤية السعودية 2030. وتابع: لقد ركز سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - جل اهتمامه على صناعة اقتصاد سعودي قوي، ومفيد للوطن والمواطن، وسعى إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ووضع خطط تهدف إلى ضمان تغطية كافية لتكاليف معيشة المواطن البسيط، والتخفيف من آثار أي رفع وترشيد الطاقة، عبر برنامج «حساب المواطن»، حيث سيمكن هذا البرنامج الدولة من إيصال كامل الدعم إلى مستحقيه وفق منهجية واضحة تأخذ في الاعتبار حجم دخل المواطن البسيط، وعدد أفراد أسرته، وبما يخفف من تبعات رفع أسعار الوقود، وينعكس إيجابا على فاتورة الدعم الكلي للمواطن. وأضاف: يجب علينا كمواطنين أن ندرك أن إصلاح الاقتصاد الوطني يفرض علينا مرحلة جديدة من التحديات، مما يجعلنا نصنع مستقبلاً للمواطن السعودي، حيث إن كل هذه الإجراءات والسياسات الاقتصادية ستحمينا من مخاطر وتقلبات الاقتصاد العالمي في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية، والتي تتطلب منا مزيدًا من الصبر والتعاون فيما بيننا لبناء اقتصاد وطني قوي ومتين من خلال التحول الاقتصادي 2020، وتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط. كما أن علينا جميعا الوقوف صفا واحدا كمواطنين، ومسؤولين وقطاع خاص مع قيادتنا الرشيدة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لبلادنا السعودية، وتنميتها وتطويرها لتواكب المتغيرات التي يشهدها العالم، ودعم عجلة التنمية والحفاظ على المكتسبات الوطنية، ومواكبة الإصلاحات الاقتصادية المتوقعة لمرحلة التحول الاقتصادي 2020 في ظل الرؤية السعودية 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله - بكل اقتدار.