فهد بن جليد
الثقافة الأسمنتية والخرسانية تطغى على مشهد شوارعنا وطُرقاتنا، لقد اختفت الأشجار والمساحات الخضراء من حياتنا بحجج ومُبررات عديدة، الشيء الوحيد الذي أفهمه أنَّ شوارعنا تتألم وهي جرداء، تماماً مثلما يتألم مُستخدموها، ولا بد أن يتحمل مخططو المدن والشوارع والميادين مسؤولياتهم البيئية، فكم هو مُحزن أن يستمر طلاء بعض المساحات في الميادين والطرقات الرئيسة بالصبغ الأخضر، والإنجيل الصناعي مع وضع الأشجار البلاستيكية ضمن عقود التنفيذ الخادعة للعين، بينما بإمكاننا زراعة أشجار طبيعية وحقيقية لها فوائدها الكبيرة.
منظر الشوارع الخالية من الأشجار ينتج الطاقة السلبية مع ارتفاع حرارة الجو، وغياب الظل، ويزيد من جفاف المشاعر، ويعزز المزاج العصبي عند السائقين وسلوكهم، بعكس المساحات الخضراء عند الإشارات المرورية وعلى جانبي الطريق التي تُلطف الأجواء وتُنقيها بامتصاص عوادم السيارات والرصاص المُنبعث منها، وتخفف من شدة الحرارة، وتبعث الراحة النفسية، وتُحسن المزاج، وتُريح العين، وتساعد على التركيز أكثر، كمصدات للرياح والأتربة.
نتفهم حقيقة أننا نعيش في منطقة صحراوية مع شح المياه، ولكن هذا لا يتعارض أبداً مع زراعة أنواع من الأشجار الصحراوية التي تتحمل تقلبات وحرارة الجو، وتعيش على القليل من الماء الذي يمكن توفيره -بوضع آليات عملية- للاستفادة من فائض المياه المُهدرة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي، حتى تزيد شوارعنا جمالاً وبهاءً، ويمكن هنا إعادة مشروع الاستفادة من زراعة أشجار النخيل التي هي رمز وطني نعتز برؤيته، بعد وضع الحلول اللازمة لتبديد مخاوف أضرارها في الجزر الوسطية، لسد الفراغات الخالية والشعور المُقلق بالتصحر الذي طال الطيور والحيوانات قبل البشر.
هناك بعض المحاولات والحملات الشعبية والفردية التي تحاول تغيير هذا الواقع، ولكنها تبقى ضعيفة وغير مؤثرة إذا لم يكن هناك خطوة جادة وشاملة من أمانات المناطق، وبلديات المُدن، وهنا -أقترح- أن تتبنى بعض البنوك والشركات الوطنية العملاقة مثل هذه المُبادرات والأفكار -من باب المسؤولية الاجتماعية- ويمكنها أن تعتبر ذلك كجزء من التسويق الذكي، عندما تحمل هذه المشاريع المُستقبلية اسمها أو شعارها، فهي خير عربون ومُصافحة حقيقية لعُملائهم، وإهداء للوطن بخلق بيئة حياتية أفضل.
وعلى دروب الخير نلتقي.