فهد بن جليد
من عجائب تأثير حنان الأبوين على الأطفال والاهتمام الجسدي والنفسي بهم، أنَّه يؤثر على حياتهم المُستقبلية وتشكيل شخصيتهم بشكل رئيس، الباحثون في ولاية مينسوتا الأمريكية وجدوا خلال دراسة حديثة أن الطريقة التي يقضيها الأطفال في حضن أمهاتهم وكنف آبائهم خلال السنوات الخمس الأولى من عمرهم ستجعل منهم أشخاصا مختلفين عن أقرانهم عندما يكبرون، بل إنَّ الأطفال الذين حظوا بالاهتمام اللازم في الصغر كسروا حاجز الفقر فيما بعد، وسجلوا نجاحات عملية بدلت واقعهم رغم أنهم عاشوا في بيئات فقيرة، بعكس أطفال من الفئات -الأكثر غنى- أفقدهم هذا النوع من التنشئة ذلك، رغم توافر الاحتياجات والمستلزمات المادية لهم من الآباء، المسألة مُرتبطة علمياً بطريقة وكيفية وجودة قضاء الأوقات مع الأولاد وليس بالمدة الأطول، أو مدى توفير الاحتياج فقط.
مقياس النجاح في التربية لا يقتصر على توفير الرغبات والحاجات وكل ما يسعد الصغير مادياً والانشغال بذلك والانكفاء عليه من قبل الوالدين، ثمة أمور وخطوات أخرى هامة في باب التربية والتنشئة الصحيحة لنجاح الأطفال في مُستقبلهم تتعلق - بشخصية الأطفال - التي تتشكل في مرحلة الطفولة المُبكرة كشفها فريق بحث بجامعة كاليفورنيا، بالاعتماد على نظرية تربوية تقول إن على الآباء أن لا ينساقوا أمام رغبات صغارهم ويتساهلوا في توفير كل ما يحتاجونه والموافقة على ذلك، وألا يتشدَّدوا في حرمانهم أملاً في تشكيل شخصية خاصة يرون أنها الأصح والأفضل لهم، بل يجب المُضي في طريق الوسط بتقبل شخصية الطفل كما هي، مع توفير احتياجه ودعمه، وضرورة تقويمه بطريقة غير مُباشرة تعتمد على الصبر وطول النفس لتحقيق الأهداف المنشودة.
أسلوب التربية الأمريكية الحديثة لم يعد يقتصر على الماديات فقط بل بات هناك جانب نفسي هو الأولى والأهم بالرعاية والاستثمار في الصغار لضمان تغيير حياتهم وواقعهم عندما يكبرون، وذلك بعدم جعل هاجس توفير الحاجات المعيشية الملموسة اليومية في سلم الأولويات -مما يؤدي لركض الآباء وانشغالهم في العمل لتحقيقها وتوفيرها- واستبدال ذلك بالاهتمام بالتنمية العقلية والمعرفية والاجتماعية لتكوين شخصية الطفل ليشق طريقه نحو النجاح، والفيصل هنا هو جودة وتأثير الوقت الممنوح لتربية الأطفال.
المال لا يُربي الأطفال وحده رغم أهميته، الإفراط في حرمان الصغار من وقت آبائهم ورعايتهم بحجة الانشغال في توفيره -خطأ جسيم- انتبهت له الثقافة الغربية، وبدأت تظهر هناك دراسات وأبحاث ونظريات تربوية لتصحيح دورهم الحقيقي، في الوقت الذي تعزز فيه الثقافة العربية غياب هذا الدور التربوي للأب في تشكيل شخصية الطفل، بحجة البحث عن لقمة العيش والانشغال خارج المنزل.
وعلى دروب الخير نلتقي.