د. محمد بن إبراهيم الملحم
برنامج تدريبي خارج المملكة، أو زيارة تعرف منظّمة، في دولة غربية متقدمة (أمريكا أو أوروبا)، لدى جامعة عالمية أو معهد متخصص مرموق دوليا أو مؤسسة عريقة ناجحة، يحضره عدد من القيادات سواء من القيادة المتوسطة أو العليا، هكذا يقول الخبر الذي نسمعه (أو نقرؤه أحيانا) من وقت لآخر عن أحد مؤسساتنا الحكومية الطموحة لتطوير مستوى منسوبيها وقدراتهم القيادية. وبعد هذه الزيارة الدراسية (Study Visit) أو البرنامج التدريبي نرتقب أن نرى أثرا مهما في أداء الزائرين أو المتدربين، أن نلمس تغيرا أحدثوه في مؤسساتهم يعكس نتائج ما تلقوه بيد أن هذا لا يحصل في الغالب، فلماذا يحدث ذلك؟
يتهم كثير من المراقبين هذه الأنشطة بأنها نوع من الترفيه غير المباشر للمتدربين كمكافأة لهم على جهودهم في عملهم، بل يعبر بعضهم أن هذا النوع من المكافأة غير المباشرة هو لتعويض قصور نظام الرواتب والمكافآت عن تحفيز الموظفين وبالتالي فهي حجة وقضاء حاجة فيتعلمون ويكافأون. المشكلة أنهم يحصلون على المكافأة ولا يظهر أثر التعليم (ولا أقول لا يتعلمون، وهنا فرق) ويعود ذلك لعدة أسباب أوضحها فيما يلي من واقع خبرة متعددة ومشاركات متنوعة من هذا القبيل حضرتها في وزارتي المعارف والتربية والتعليم غفر الله لهما. أول هذه الأسباب سبب ظاهر جدا وهو ضعف التخطيط التدريبي، فتختار جهة التدريب الموضوع دون دراسة أصيلة للاحتياج التدريبي، وبالتالي فإن ثلث الحاضرين ربما مروا بهذا الموضوع سابقا أو لديهم خلفية جيدة عنه، كما أن بعض المتدربين قد لا تتوفر في مهمات عملهم تطبيقات مباشرة لما سيتدرب عليه. ثاني الأسباب هو ضعف اختيار مصدر الخبرة سواء كانوا المدربين أو المشرفين على الزيارة في حالة الزيارات، فعلى الرغم من التعاون مع مؤسسات مرموقة إلا أن عدم إلمام هؤلاء بمشكلات التعليم لدينا وطبيعة العمل التعليمية وممارساته لا يمكنهم من التركيز على النقاط التي تخصنا، وربما يشرق ويغرب في المحتوى في قضايا لا تنطبق في حالتنا، وعلى الرغم أن هذا لا يمكنه أن يحتل كامل محتوى البرنامج لكن له أثره السلبي الذي يتزايد طرديا مع ازدياد نسبة هذا النوع من المحتوى وكذلك مع ازدياد درجة جهل المتدربين بالنظام التعليمي لدى تلك الدولة ومتغيرات ذلك النظام وممارساته ليتمكنوا من تكييف المعلومات التي يتلقونها بما يلاءم طبيعة نظامنا وتطبيقاتنا. إن إحداث تكييف (Adaptation) للبرنامج مع واقعنا من الأساس هو مهمة جهة التدريب حيث يجب أن تعمل جنبا إلى جنب مع المؤسسة المستضيفة فتقدم لها المعلومات اللازمة بكل شفافية (ودون أية مبالغات استعراضية) ثم تراجع صيغة البرنامج المقترحة لتتأكد من توافقها مع حالتنا. إن تلك الجامعات والمؤسسات المرموقة ستشعر بسعادة غامرة عندما تعمل معها بهذه الطريقة لتساعدها في جعل منتجها لأفرادك فعالا بهذا المستوى.
ثالث الأسباب هو أقواها وأشدها، حيث يكون إحداث تغيير في العمل ضمن هذا الموضوع لا يتوافق مع مستوى صلاحيات الحضور فمثلا عندما يتعرف الزائرون على المؤسسات التعليمية في بلد ما ويفهموا أن أسباب نجاحها مرتكز على النظام وقيادة ذلك النظام ممثلا في المجالس الوطنية وصلاحياتها مقارنة بصلاحيات المنفذين من وزراء ومدراء عموم فأنى لهم إحداث تغيير في هذا الشأن!، كذلك عندما يتدرب المسؤولون التنفيذيون على بناء الخطط الإستراتيجية بينما هم يؤدون العمل بطريقة نفذ ما يردك في التعاميم، كما أنهم لا يُدعَون إلى فعاليات التخطيط الإستراتيجي وتظل قاصرة على مسئولين محدودين في الإدارة المركزية للمؤسسة فلماذا المبالغة في هذا السياق بتدريبهم خارج المملكة! بل إن ما يحدث هو أنهم سيكتشفون هناك أن أمثالهم من المسئولين يشاركون في ذلك التخطيط خلافا لهم، أما هم فلهم التدريب فقط! بعض الناس من حزب «شيء أفضل من لا شيء في كل شيء» يقول لك: فليمارسوا التخطيط الإستراتيجي في مستواهم ! وهذا معناه أن يبني خطة استراتيجية لخمس سنوات ويدخل عليها تغييرات كل سنة، وربما يعدل ثلاثة أرباعها بسبب مفاجآت تعاميم مركزية تصاغ سنويا خارج نطاق التخطيط الإستراتيجي أصلا. أي هدر هذا في المال والوقت معا يا حزب شيء أفضل من لا شيء في كل شيء!