د. حمزة السالم
التشكيك في الأعراض واتهام السرائر هي وسائل هدم أخلاق المجتمعات ونشر الرذيلة فيها. فمن أجل ذلك شدد الإسلام العقوبة فيه فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.}
في مسائل المرأة بشكل عام، منذ بدايات مقاومة تعليمها عام 1960م إلى مناظرات سياقة النساء، تجد أنّ مفهوم جوهر أطروحات المعارضين -تصريحاً أو تضميناً- يتمثل في اتهام المجتمع بأنه مجتمع خارج عن الانضباط الذاتي لا يحكمه ورع شخصي يمثله قول الشاب المسلم (إني أخاف الله)، ولا مروءة إنسانية يمثلها خطاب هند للرسول عليه السلام وجوابه لها (أو تزني الحرة؟ قال: لا).
نشر هذه المفاهيم وتصوير المجتمع بأنه مجتمع همجي سينقض بعضه على بعض تحرشاً وأذية وإساءة بل وفاحشة -والعياذ بالله-، هي في الواقع هدم لأخلاق المجتمع ونشر للرذيلة فيه بشهادة قوله تعالى في آية سورة النور السابقة.
غالب المعارضين لسياقة النساء لا يجدون مستنداً شرعياً يحرم السياقة في ذاتها، بل هم يحتجون بسد الذرائع الذي ما هو إلاّ اتهام ضمني للمجتمع السعودي بأنه مجتمع همجي لا يستطيع الانضباط إلاّ بالمنع والعصا، وإلاّ فهو اتهام ضمني للشعوب الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى التي سمحت بقيادة المرأة للسيارة. وكذلك فأي شخص يحتج بخصوصية المجتمع السعودي فهو لا يخرج عن كونه ضمن أحد الفريقين: إما اتهام بعدم وجود فضيلة في المجتمع السعودي، أو يعتقد بعدم وجودها في المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى.
وفي اعتقادي، أنّ أكثر المعارضين لسياقة النساء -بغضّ النظر عن اتجاهاتهم- سواء أكانت شرعية من باب سد الذرائع، أو اجتماعية من باب التحجج بخصوصية المجتمع السعودي، لا يقصدون ولا يتصورون حقيقة معنى قولهم ولوازمه. لأننا لو أردنا أن نلزم أحدهم بلازم تحججه بسد الذرائع أو الخصوصية لما التزم ولكبر ذلك في نفسه وعظم عليه. فإن كان هناك أحد يعتقد حقيقة أنّ المجتمع السعودي مجتمع همجي لا مروءة له ولا ورع يتحرش بالنساء ويواقع الرذيلة لولا المنع المفروض عليه، أو يعتقد أنّ المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية مجتمعات فاسدة لا مروءة لها، فهي لا تأبه بتحرش رجالها بنسائها ولا يكترثون بأعراضهم، فهو شخص مريض نفسياً شاذ جنسياً لا مروءة له ولا دين، يدخل ضمن تهديد آيات سورة النور في الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
المعارضون لسياقة المرأة المدركون لأهداف صراعهم -لا المقلِّدون- بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الاجتماعية هم، في حقيقتهم، يصارعون من أجل النفوذ أو الخوف على النفوذ. فالذي يصارع على النفوذ فهذا من همه نفسه -وقد راهن على عدم السماح بسياقة النساء- فسعى في كسب الشعبيات من العوام عن طريق التعسير والتشديد في هذه المسألة، ليغفر له العامة تساهله وأخطاءه في مسائل أخرى. ومنهم من همه أعلى من همّ نفسه فهو يخاف على النفوذ العام، فهو يعتقد -واهماً- أنّ السماح بسياقة النساء، إنما هو كسر للهيبة وللنفوذ القديم والذي يُعتبر المنع لسياقة النساء أحد مخرجاته وقراراته. وما درى أن ضمان استمرارية النظام، إنما يكون في صيانته بالتجديد وتعهده بالإصلاح.