سعود عبدالعزيز الجنيدل
يتميز بنو البشر بخصائص كثيرة، ومن تلك الخصائص العاطفة، والعقلانية، والسؤال هنا كيف يتم التعامل معهما؟، هل العاطفة تسير جنبا لجنب مع العقلانية؟ أم أن إحداهما تغلب على الأخرى؟ وكأنهما فرسا رهان؟
أسئلة تتدور هنا وهناك، وتأتي تترا, محاولة البحث عن إجابات شافية، تحتم مجابهتها، وعدم التملص منها.
في الحقيقة أن الناس يختلفون في تعاملهم مع هذا الأمر، ولكن وكما بدا لي، فإن كثيرا منهم يفضّل، ويقدم العاطفة على العقل في كثير من القرارات حتى لو كانت تضر أصحاب القرارات أنفسهم.
وهذا عائد لطبيعة البشر -من وجهة نظري- حيث إنهم مخلوقات مسالمة، تميل للعيش بحب وسلام وطمأنينة، وهم عاطفيون بطبيعتهم.
وهذا التعامل في حد ذاته تعامل راقٍ، إلا أنه في كثير من المواقف يكون تعاملاً سلبيًا، يضر ولا ينفع، ولكي يتضح المقال، لا بد من سرد كذا مثال.
* أخطأ الطفل الصغير، ويجب معاقبته -لا أتكلم عن الضرب هنا- بأحد أنواع العقوبات الكثيرة التي تناسب عمره، هنا قد يرحم أحد الوالدين طفلهما، خصوصا في حالة البكاء، ولا ينفذ العقوبة، أو يرضخ لطفله ويعطيه ما يريد، وبهذا يعيش الطفل مدللا مرفّها، لا يعرف قيمة ما يملكه، ولا صعوبة الحصول عليه، فينشأ متعودا على تحقيق طلباته، ورغباته أيا كانت.
* أصيب أحد أعضاء الجسم بمرض ما -الغرغرينا أو السرطان لا سمح الله- ويتحتم استئصال العضو المصاب حفاظا على حياة الشخص، من انتشار هذا المرض وسريانه في بقية أجزاء الجسم، فالعاطفة هنا ستميل للحفاظ على هذا العضو المصاب، وعدم اسئتصاله، لعل وعسى، يكون هناك بارقة أمل، ويستمر التعلق بقشة قد تؤدي لهلاك الشخص.
* زوجان يستمران في العيش، مع أن كل روابط، ومقومات الزوجية مفقودة بينهما، رغبة في الحفاظ على لمّ العائلة وعدم تشتت الأطفال -بزعمهما- ويعيشان في دوامة المشاكل لا يكادان ينفكان منها، والعاطفة تقودهما في ذلك، وهذا يؤول إلى مزيد من المشاكل، وتتفاقم بينهما الأوضاع لحد يسبب خطرا عليهما.
* تتم معاملة الأولاد بكثير من الدلال، وعدم تحميلهم المسؤولية، حتى لو كان كثير منهم طلاب جامعة أو موظفين، فلا يطلب منهم أي أعمال منزلية، أو القيام بشراء مستلزمات للمنزل، ظنا من الوالدين أن هذا الأمر في صالحهم، انطلاقا من عاطفة الوالدين الجياشة.
سأكتفي بهذه الأمثلة، مع علمي يقينا أن هناك المئات من الأمثلة التي تقود العاطفة كثيرا من قراراتنا الحياتية، وبالتالي تؤثر سلبا على معيشتنا، ظنا منا أن تحكيم العاطفة هو القرار الأمثل، والأصوب، والأنجع!
جميل أن تغمرنا العاطفة في مواقف معينة، ولكن يجب استخدام العقلانية في قراراتنا، ولا نبني مواقفنا على العاطفة لأنها قطعا ستخذلنا، وتؤول بنا لنتائج لا تحمد عقباها، وفي هذا السياق أذكر بيت المتنبي الشهير:
وَوَضعُ الندى موضعِ السيف بالعلى
مضرٌّ كوضع السيفِ موضع النّدى