فيصل خالد الخديدي
يُعتبر الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب من أهم فناني القرن العشرين. وقد ارتبط اسم دوشامب بالجرأة، وتقديم الأعمال الفنية الجاهزة المبنية على فكر وفلسفة. وقدم أعمالاً تُعتبر نقطة تحوُّل في مسيرة الفنون التشكيلية عالميًّا، بل يعد عمل دوشامب (النافورة)، الذي كان عبارة عن مبولة مسبقة الصنع من البورسلان، غيَّر وضعيتها لتكون بشكل قائم، وكتب عليها الأحرف «R.Mutt»، العمل الأبرز في القرن العشرين؛ إذ ساهم في إطلاق جملة من التحولات في فهم طبيعة الفنون وصناعتها؛ فبعمله هذا خلق علامة استفهام، أثارت الجدل عما هو فن وما ليس بفن؟ وأضاف بُعدًا وانفصالاً بين الفن والجمال في الفنون المفاهيمية, وأزاح بعمله الاهتمام من مادة العمل ومكونه إلى مفهومه وفلسفته. كما أسقط دوشامب في عمله هذا سلطة المتاحف وقواعد العرض التي تتشدد فيها. وفي عمله هذا أيضًا ذاب مفهوم فرادة العمل والنسخة الوحيدة منه. بل يعد عمل دوشامب هذا بداية عهد جديد من الفنون، وهو الفن المفاهيمي.. ولكن كيف تحقق كل هذا الحضور لهذا العمل وللفنان دوشامب؟ وما هي خلفية الفنان المعرفية والفنية التي جعلته يحدث كل هذا الانقلاب في مسيرة الفن عالميًّا؟ وهل هي نقلة عشوائية أو بمحض المصادفة؟
الفنان مارسيل دوشامب نشأ في أسرة فنية، وبدأ يمارس الرسم منذ الصغر مقتديًا بأخوَيْه جاك وريمون، وسلك العديد من المذاهب الفنية في بدايته، بل إنه كان انطباعيًّا أكثر من الانطباعيين، وقدم الكثير في الوحشية، وفاق فيها أتباع ماتيس، ومارس التكعيبية في أعماله بدقة واحترافية حتى أن عمله الذي حاز بفضله شهرة عالمية، وهو «عاري ينزل السلم»، كان عبارة عن لوحة ذات اتجاه تكعيبي. لقد امتلك دوشامب الكثير من المهارة والثقافة والمعرفة وسعة الاطلاع والتجديد؛ ما أهَّله لأن يترك الأعمال التقليدية مبكرًا، ويتجه للأعمال الصادمة والمحمَّلة بكثير من الفلسفة، وهو ما ينقص الكثير من مدعي التجريب والتجديد في الساحة التشكيلية، الذين يتخذون من مبولة دوشامب شماعة لسفه أعمالهم وسطحية طرحهم جاهلين ما مرَّ به هذا الفنان من تجارب فنية عميقة، وما يحمله من محمول ثقافي وفكري ومهارة فنية، مكّنته من تغيير تاريخ الفن بمبولته.