محمد آل الشيخ
غني عن القول إننا نعيش اليوم عصر المصالح، بعد سقوط عصر الأيديولوجيات، التي انتهت بسقوط المعسكر الاشتراكي، وتفكك الاتحاد السوفييتي وبروز روسيا الاتحادية كدولة عظمى، تتعاطى بمنطق المصالح في علاقاتها مع العالم.
ونحن كخليجيين بشكل عام وسعوديين بشكل خاص، نواجه خطرًا فارسيًا توسعيًا غاية في الخطورة، يسعى إلى التوسع، وتصدير الثورة الخمينية، وعينه كما يصرحون تارة وكما يخفون تارات أخرى، على المملكة، التي يعتبرونها بحكم وجود الحرمين، غايتهم النهائية كما جاء في وصية الخميني قبل هلاكه. هذه الدولة الشريرة، لها علاقات مضطربة، بين مد وجزر مع أغلب دول العالم، بينما تحظى بعلاقات نسبيًا خاصة، بل أحيانًا متميزة، مع روسيا الاتحادية، التي من خلالها استطاع ملاليها أن يحصلوا على كثير من التقنيات المتطورة والأسلحة، بالشكل الذي جعلها نسبيًا تخفف من الاختناق الذي يمارسه العالم عليها بفعل طموحاتها الشريرة، القادمة في بواعثها من القرون الوسطى.
من هنا في رأيي تأتي أهمية زيارة الملك سلمان لموسكو، واجتماعه بالقيادات الروسية، موظفًا لغة المصالح المتبادلة لتطويق العدو الفارسي أولاً، في محاولة جادة وذكية لاجتذاب الروس نحو المملكة ودول الخليج بدلاً من إيران، لا سيما أن روسيا الجديدة تفهم اليوم جيدًا لغة المصالح لا لغة الأيديولوجيات كما كان الاتحاد السوفييتي يفعل قديمًا.
إضافة إلى ذلك فالمملكة وروسيا، إذا ما نسقتا في سياستيهما حول النفط، والتحكم في المعروض منه في الأسواق العالمية، استطاعتا بالفعل أن تسيطرا على أسعاره، كي لا تنخفض إلى مستويات متدنية، من شأنها الإضرار باقتصاد البلدين.
لذلك كله ينظر العدو الفارسي إلى هذه الزيارة التاريخية للملك سلمان، وأملهم ألا تحقق أهدافها، لأن نجاحها سينعكس سلبيًا على الغول الفارسي حتمًا.
الأمر الآخر أن روسيا أثبتت في السنوات الخمس الأخيرة أنها دولة عظمى فاعلة وبقوة في القضايا الإقليمية في منطقتنا، خاصة في القضية السورية تحديدًا، ما يجعل التعامل معها - أيضًا - من هذه الزاوية، يصب في المصالح العربية بشكل عام. فلا يمكن تجاهل أن روسيا اليوم قوة محورية فاعلة، واستعادت إلى درجة كبيرة جزءًا غير قليل من مكانة الاتحاد الروسي السابقة.
من هذه المنطلقات التي استعرضتها هنا، تأتي أهمية زيارة الملك سلمان التاريخية لموسكو؛ فهناك كثير من العوامل المشتركة التي تجمع بين البلدين، تحتاج فقط إلى من يُفعلها على أرض الواقع، وتنقية ما كان يشوبها من شوائب.
وأنا على يقين لا يخالجه شك أن تفعيلنا للغة المصالح الاقتصادية المشتركة، في تعاملاتنا السياسية مع روسيا، من شأنها قطعًا أن تجعل موقف المملكة الإقليمي أقوى؛ فالمملكة، قدرها أن تكون قوة إقليمية، وهذا القدر من الواجب التعامل معه بموضوعية وعقلانية، والتعامل الموضوعي والعقلاني يحتم علينا ألا نضع رهاناتنا على معسكر دون الآخر، بل حيثما كانت المصلحة، فإلى هذه الموانئ يجب أن تتجه مراكبنا.
إلى اللقاء