خالد بن حمد المالك
زار الملك فيصل -حين كان وزيراً للخارجية- روسيا، وزارها الملك عبدالله، ويومها كان ولياً للعهد، كما زارها الأمير سلطان وهو ولي للعهد، ومثل ذلك زارها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حين كان ولياً لولي العهد، وزارها وزير الخارجية آنذاك الأمير سعود الفيصل، لكن الزيارة الأهم هي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لأنه يزور روسيا وهو ملك، أي أنه أول ملك يزور هذه البلاد.
* *
هذا الاتجاه في التواصل في العلاقات السعودية - الروسية الثنائية ذات أبعاد مهمة على مستوى التعاون عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً وتعليمياً، وهذا ما جعل من الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين -وخاصة بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية من جديد في العام 1990م- ذات أهمية بالغة.
* *
وإذا كانت روسيا هي أول دولة تعترف بالمملكة العربية السعودية، سابقة بذلك حتى بريطانيا التي كانت تبسط نفوذها في المنطقة، فإن قطع العلاقات مع موسكو على مدى نصف قرن لم يوقف التعاون، وإن كان على نطاق محدود في التبادل التجاري، ولم يطفئ شعلة الاهتمام لدى الجانبين بضرورة إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح، وفق ترتيبات تجذر هذه العلاقات، وتجعلها في الوضع الذي يمكن الدولتين من تحقيق أفضل الفرص للتعاون المثالي بينهما.
* *
صحيح أن هناك تبايناً حاداً في السياسات والأيدلوجيات من الدولتين ساعد على قطع العلاقات وعدم عودتها إلا بعد خمسين عاماً، وأن هناك إلى اليوم بعض التباين في وجهات النظر والمواقف، بحسب نظرة كل من الرياض وموسكو لمصالحهما، ولكن نقاط التقارب والتفاهم أكثر من نقاط الاختلاف، وخاصة في هذه المرحلة التي يتم فيها إبرام الكثير من الاتفاقيات التي ترسم المستقبل الأفضل للعلاقات الثنائية.
* *
ومن المؤكد أن زيارة الملك سلمان لروسيا وتعامل الروس معها على أنها زيارة دولة، يظهر حجم الاستعداد الروسي لتناسي الماضي وفتح صفحة جديدة من العلاقات تراعي التحفظات السعودية السابقة، وتقترب من النظرة السعودية الحكيمة للقضايا الساخنة في منطقتنا، وتساعد على قبول روسيا كدولة شريكة في إطفاء المشكلات التي تحيط بها وبنا، ضمن تفاهمات تجنب المنطقة هذه الأخطار.
* *
ومثلما كان للروس تحفظات على الموقف السعودي من الوضع في الشيشان، فقد كان للسعوديين من جانبهم تحفظات على الموقف الروسي في أفغانستان، ومن موقفها من الإسلام، غير أن هذه أصبحت من الماضي، بتغير الخطاب السياسي لكل من الدولتين، وخاصة الموقف الروسي من المملكة، الذي أصبح يتناغم مع الموقف السعودي في كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك مع زوال المؤثرات السلبية.
* *
وأعتقد أنه لا غنى لكل من الرياض وموسكو عن علاقة متوازنة بينهما، يكون فيها التنوع من السياسة إلى الاقتصاد والتجارة، وفتح المجال أمام الاستثمارات المشتركة بين الدولتين، والتوجه نحو تغيير السياسة الإعلامية بما يساعد على إنجاح الخطوات الجادة التي يقودها كل من الملك سلمان والرئيس بوتين، وبالتالي التسريع في تحقيق المصالح الوطنية لشعبي الدولتين.
* *
وإذا كان الرئيس بوتين يرى أن المملكة هي إحدى الدول القيادية في العالم العربي، فإن الملك سلمان وهو يزور موسكو زيارة تاريخية وبالغة الأهمية، إنما يرى في روسيا دولة من المهم أن تكون المملكة شريكاً معها في صنع السلام والاستقرار في العالم، وفي ضبط إنتاج وأسعار النفط بما لا يعرض هذه المادة الإستراتيجية للخطر، فضلاً عن فتح آفاق جديدة لروسيا للاستثمار في المملكة تنفيذاً لرؤية المملكة 2030 وسياساتها الاقتصادية الجديدة.
- يتبع -