الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعتقد البعض أن كمال الأجر محصور في بناء المساجد دون نظافتها وصيانتها وترميمها، وتحتاج بيوت الله في بلادنا إلى المزيد من الاهتمام والرعاية بالنظافة والصيانة المستمرة.
«الجزيرة» تطرح فكرة إنشاء مؤسسة وقفية مستقلة لصيانة ونظافة المساجد للنهوض بها، ومعالجة الخلل والحالة التي وصلت إليه، وذلك من خلال تخصيص جزء من الأموال للوقف على المساجد للنظافة والصيانة والترميم، وتشجيع الناس على المشاركة والمساهمة في هذا الباب العظيم.
عدد من الخبراء الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الوقفي أيدوا ما طرحته «الجزيرة» وتحدثوا عن ذلك.. وفيما يلي نص أحاديثهم.
ذبول الزهرة
بداية يقول د. أحمد الشيخ، الأستاذ المشارك بجامعة جدة والمشرف العام على بيت الخبرة القانوني»روافد للاستشارات القانونية والتحكيم»والمحكم المعتمد في وزارة العدل: إن من قيمنا الإسلامية الأساسية هي عمارة المساجد بيوت الله لتحقق الهدف المنشود منها بأن تكون مصدر الخير والدعوة.
ويتنافس المجتمع عموما ورجال الأعمال خصوصا في المشاركة في بناء وتأسيس هذه المساجد، وتصرف في ذلك المبالغ الكبيرة حتى يصبح الجامع صرحا شامخا يشار له بالبنان، ولكن ما أسرع ما أن تذبل زهرة ذلك الجامع ويخبو وهجه ويقل رواده، وذلك لغياب العناية والصيانة له، ويغفل البعض عن فضل الإنفاق على نظافة المساجد، وكأن الأجر فقط في بنائها، فقد روي عن سمرة بن جندب أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا، وأمرنا أن ننظفها). رواه أحمد والترمذي وصححه، ورواه أبو داود ولفظه: (كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها).
وبلادنا المملكة العربية السعودية، هي قبلة المسلمين، وهي صاحبة العمق العربي والإسلامي، وحكومتنا - وفقها الله - تقوم بجهد كبير في ذلك وتدعم الكثير من المشاركات وتحث عليها، ولذلك كان من محاور رؤية المملكة2030 مجتمع حيوي ذو قيمة راسخة وتسعى فيه لتسخير الطاقات والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن وتهدف فيه لخدمة 30 مليون معتمر سنويا، فما الذي قدم من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم؟
إن من توقف لأداء الصلاة في بعض مساجدنا يجد بعضها يفتقد لأهم المقومات الأساسية لها من الصيانة والنظافة، ومن توقف لأداء الصلاة في المحطات مابين المدن يجد الوضع أسوأ حالا من ذلك!! وقد رأينا بأنفسنا ذلك وسمعنا شكاية قاصدي الحرمين الشريفين والمتنقلين في ربوع بلادنا يتذمر من ذلك.
لماذا هذا كله؟
أين الدور المجتمعي لصيانة بيوت الله؟
نعم، هناك جهود مبذولة ولكن ما يقدم في باب العناية بالمساجد هو عبارة عن اجتهادات فرق تطوعية محبة للخير ولكنها أعمال وقتية وليست مستمرة، لذلك كان لزاما أن تتضافر الجهود وأن تتحول المبادرات والأطروحات الصادقة في ذلك إلى مشاريع مؤسسية تحقق الهدف العظيم في عمارة بيوت الله ومن هنا فالدعوة لإنشاء مؤسسة وقفية لصيانة ونظافة بيوت الله من العمل العظيم والأجر الكبير.
فمن يسن هذه السنة الحسنة ويبادر بإنشاء هذه المؤسسة الوقفية لتكون نواة لعمل مؤسسي رائد ومميز أو يخصص جزءاً من الأوقاف القائمة أو المستقبلية على صيانة بيوت الله والعناية بها.
وقف المساجد
ويشير د.محمد بن صالح سلطان، أستاذ النظام الاقتصادي في الإسلام في كليات المعرفة بالرياض. الباحث في مجال الأوقاف أن من المعلوم أن الخدمات التي تقدمها المؤسسة الوقفية ينبغي أن تتماهى مع الحاجة الاجتماعية وضرورة النظر لحاجة الناس، ولذا أتاحت الشريعة للواقفين الحرية الكاملة في اختيار مصارف وقفهم وتحديد شروط صرفهم بل جعلت شروطهم كنص الشارع الكريم وفقا لتقديرهم لمظان الحاجة.
إن إيقاف المساجد أشهر صور الوقف ولا يكاد يخلو وقف أو وصية من الإيصاء ببناء المساجد خدمة للمسلمين، ومن المعلوم أن وقف المساجد يتكون من ثلاثة عناصر الأول: بناء المساجد، الثاني: بناء مرفقات المسجد من مدرسة قرآنية أو سكن لإمام أو غيرها من المرفقات، الثالث: صيانة المسجد لضمان ديمومته واستمراره لسنوات عديدة، وهذا هو التحدّي الذي يغفل عنه الكثير من الواقفين والنظار، ولذا تؤول كثير من المساجد إلى التعطل وضعف الأداء وأحيانا غلق المسجد لسوء صيانته وخروجه عن الخدمة لسوء تقدير الواقف أو غفلة المحسن. ويأتي دور المستشارين والقضاة والمهتمين بالأوقاف بتوعية الواقفين بالاهتمام بعملية الصيانة وأفضل ما يعين على تحقيق ذلك الخير العظيم، وتأكيدا للتخصص وتفريغا للجهود أوصي بإنشاء مؤسسة وقفية ترعى وتصون المساجد من ناحية رفدها بالمفارش، وعمال النظافة، وأدوات التنظيف، والصيانة الدورية لمرافق المسجد وتكميل حاجاته، ولا يخفى فضل ذلك العمل العظيم، فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اهتمامه ورعايته للمرأة التي كانت تقم المسجد وتنظفه، ولاسيما ظهور الحاجة الماسة للتعاون لسد هذه الثغرة العظيمة، فكم من مسجد يعاني من حاجته للفراش وآخر يحتاج للطلاء، وثالث يحتاج صيانة لأماكن الوضوء، ولعل هذا داخل صمن فضل بناء المسجد وعمارته بذكر الله والذاكرين له.
فكرة رائعة
ويؤكد د. عابد بن راجح العبدلي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى أن فكرة مؤسسة وقفية على صيانة المساجد هي فكرة رائعة ومبادرة وقفية جديدة تستحق الاهتمام والتطبيق، سيما أن أعمال البر يعظم أجرها إذا عظم نفعها. والحقيقة أن المساجد التي بُنيت هي بلا شك من أعمال البر لكن الملاحظ أن كثيراً منها أهملت وخاصة التي في الطرق والأماكن البعيدة، وأصبحت في كثير من الأحيان غير صالحة للاستخدام نتيجة للأوساخ والأتربة وعدم عناية بدورات المياه والمواضئ، وهذا الإهمال من أصحابها لا يليق بمن يرجو الخير والثواب، ولعل فكرة أوقاف صيانة المساجد تسد هذه الفجوة وتصلح الثغرة وتكون بادرة وقفية رائدة يتجه إليها الميسورون ومحبوا الخير. وللأسف أن الثقافة الوقفية لدى الكثير محدودة جداً وفي الغالب مقتصرة على مجرد بناء المسجد أو عقار خيري. والواقع أن أبواب الوقف أوسع من ذلك، لكن ذلك يحتاج إلى توعية وتثقيف الناس وتغيير سلوكهم في انفاقهم على أبواب البر والأوقاف.