تركي بن ناصر الموح
في مقال سابق لي موسوم بـ (الملك والإمام)، تحدثت فيه عن سر العلاقة بين الامام عبدالرحمن بن فيصل وابنه عبدالعزيز صاحب الحلم والعزيمه الذي قال لأبيه: (إما أن تأمر أحد رجالك بانتزاع رأسي من بين كتفي فأستريح من هذه الحياة وإما أن تنهض من توك فلا تخرج من منزل شيخ الكويت إلا بوعد في تسهيل خروجي للقتال في بطن نجد).
تحقق حلم الأمير، وانتشر في شبه الجزيرة خبر ابن سعود حتى صار سيدها، والعلاقة بين الامام وابنه في طابعها المعهود وفي العرف والتقليد (بروتوكول) لدى الاسرة الحاكمة السعودية محتفظة برونقها واسلوبها . حين جاء سانت جون فيلبي (عبدالله فيلبي) ليقابل (معزي) للمرة الأولى في الرياض عام 1333هـ-1915م تحدث عن هذا اللقاء بقوله:
دخلنا في غرفة كان فيها شيخ ضئيل الجسم، في نحو السبعين من عمره. سلمنا عليه، ودعانا إلى الجلوس، وجيء بالقهوة، وهو يسأل عن أحوالنا ويلاطفنا. وبينما كنت أقول في نفسي: من هذا؟ وأين ابن سعود؟ إذا بالشيخ ينهض متمهلاً، ويقول: مرحباً بكم، حديثكم مع الابن عبدالعزيز... وما كاد يتوارى، حتى انتصب من زاوية المجلس عملاق أقبل علينا، فعرفناه أنه سيد الجزيرة. وكان منطوياً على نفسه تأدباً، في حضور أبيه، فكأن عيني لم تقع عليه.
هم الإمام ومعه ابنه الملك بالحج، وطاف الوالد والولد. ولكن الأب كان قد جاوز المئة من العمر، كهلاً ضعيفاً لا يقوى على المشي، فأدركه الإعياء فهبط على الأرض بعد ثلاثة أشواط من الطواف. فما كان من ابنه الملك، الذي يمكنه أن يصدر الأوامر إلى خدمه وحاشيته بأن يحملوه، إلاّ أن الملك عبدالعزيز حمل والده على مرأى من الناس جميعاً! وأتم بقية الأشواط .وكأني به يرى ما نحن عليه الآن للارث الذي تركه لابنائه واحفاده وهذه الدولة الفتية التي تركها صبية لم تشيخ بعد.. ففعل الأحفاد ما فعله الأجداد. الأمير محمد بن سلمان ولي عهد والده يقبل قدم والده الملك سلمان رعاه الله - في حله وترحاله وامام اعين الناس والعالم اجمع.
وسأختم بما كتبه الاستاذ/ محمد امين التميمي كاتب شجرة آل سعود بل وسأمن على ما قاله.
حين سئل عن حبه للملك عبدالعزيز اجاب في مقال خاص (لماذا احببت ابن سعود)؟
وها هو لساني يلهج بالدعاء لعبد العزيز في كل مناسبة، أدعو له كلما رأيت القبور للشكاوى تقصد، والخرق في شبابيكها ومقصوراتها تعقد، والأحوال على بنائها ونقشها وكسوتها تصرف، والدموع لطلب الحاجات من الأموات تذرف، والاستغاثة والإنابة والخوف والرجاء، توجه إلى من لا يستجيبون الدعاء، وأدعو له إذا رأيت الجاهلين يقصدون الدجالين من قارئي الكف والفنجان، وضاربي الرمل والودع والمنجمين والمنومين المغناطيسيين لينبئوهم عن المستقبل وليكشفوا لهم ستائر الغيب، وليقشعوا السحب عن علم الله الذي لم يمنحه أحداً من خلقه إلا بما شاء، لمن شرفه من الأنبياء.
وأدعو إذا رأيت النساء متبرجات يمشين في الأسواق وحول المقاصف ملتفات، وفي الصالات منتشرات، وللرجال مخاصرات، وعلى أنغام الموسيقى راقصات، بينما هن في بيوتهن منغصات لأزواجهن منكدات.
وأدعو له إذا رأيت الصلاة متروكة والحرمات منهوكة، والزكاة ممنوعة، والأرحام مقطوعة، وشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن لا يصام، وأموال الناس تؤكل بالباطل ويدلى بها إلى الحكام. وأدعو له إذا رأيت الأموال تسرق والأفئدة تحرق، والشرف يهان، والعفة لا تصان. وأدعو له إذا رأيت الخمر تشرب، والميسر يلعب، والفسق يؤتى، والمحلّل يفتى، والمعاصي تعلن، والناس تفتن.
إذا رأيت كل ذلك، وهو بعض ما هنالك، تذكرت نجداً ومن حل فيها، وما شاهدته في بلادها وفيافيها، وما على الشاكّ إلا أن يرحل إلى نجد ليرى ما رأيت، وما عليه إلا أن يمتزج بابن سعود ليؤمن بما آمنت به).
حفظ الله الوطن.. وسدد رمي جنودنا البواسل الذين ذكرهم المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله).