د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تتجه الدولة نحو تحرير أسعار الطاقة تدريجيًا وفق برنامج التوازن المالي التابع لرؤية 2030 وسيتم تعديل أسعار الطاقة والكهرباء بشكل تدريجي لإتاحة الفرصة الكافية للقطاعات السكنية وغير السكنية لإجراء التعديلات اللازمة والحد من تأثير التعديلات على الأسر والصناعات والاقتصاد الكلي، يشمل التضخم والناتج المحلي الإجمالي ونسبة البطالة وقدرة الصناعات على تطبيق مبادرات لرفع كفاءة الطاقة والتميز التشغيلي.
تريد الدولة أن تستثمر تراجع أسعار النفط التي قد تستمر في السنوات المقبلة بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي واستمرار إنتاج النفط الصخري حتى تصل إلى الأسعار العالمية، ومواصلة برامج الإصلاح في قطاع الطاقة وقطاعات أخرى لتنويع اقتصادها، خصوصًا التي لا تتطلب تغييرات في البنية التحتية وبشكل خاص في الكهرباء والمياه وسيتم تحويل الدعم لفئات الدخل المتوسط والمحدود المقدرة من قبل الدولة بنحو 40 في المائة فيما هي لا تحصل سوى على 30 في المائة من قيمة الدعم أي أن الدولة ستوفر 60 في المائة من قيمة الدعم وتوجيهها نحو الاستثمار في البنية التحتية للنقل العام بين مدن المملكة وداخل المدن.
تحاول الدولة استثمار تكلفة الفرصة البديلة لبرميل النفط وهو فرق السعر بين المنتج محليًا وسعره عند التصدير وتوجيهه نحو الفئات المستحقة، حيث بلغت قيمة الدعم الحكومي لمنتجات الطاقة والمياه عام 2015 ما يقرب من 300 مليار ريال بناء على تصدير منتجات الطاقة في ذلك الوقت عندما كان متوسط الأسعار عند 55 دولارًا للبرميل.
رفع الأسعار في عام 2016 أدى إلى تباطؤ معدل الطلب على الطاقة بنحو 10 في المائة في عام 2016 مع تباطؤ النمو الاقتصادي وهو كذلك بسبب ضعف أسعار النفط لأن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل مباشر على دخل النفط حيث بدأت تنخفض من اعتمادها على دخل النفط بنسبة 89 في المائة عام 2014 إلى 72 في المائة عام 2015 وإلى 70 في المائة عام 2016 وستواصل تخفيض اعتمادها على دخل النفط بالرغم من أن السعودية احتسبت في ميزانيتها على أساس سعر عند 37 دولارًا للبرميل، وهو ما يفرض على الدولة الخروج من الاعتماد المفرط على الدخل الأحادي للنفط إلى تنويع مصادر الدخل وهو ما يتطلب تنويع الاقتصاد الإنتاجي.
رفع الأسعار تحكمه عدة اعتبارات، وعدة عوامل، حيث سبق أن رفعت الدولة أسعار البنزين في ديسمبر من عام 2015 بنسبة 67 في المائة من 45 هللة (12 سنتاً) للتر من بنزين 91 إلى 75 هللة (20 سنتاً) كانت زيادة بنزين 95 أقل بنسبة زيادة تبلغ 50 في المائة، أي ارتفعت من 60 هللة للتر إلى 90 هللة، رغم ذلك تعد السعودية ثالث أرخص دولة بعد فنزويلا وليبيا، وأقل من 62 في المائة عن سعره العالمي حيث متوسط سعره العالمي للتر نحو 1.08 دولار.
لكن بالمقارنة بين الدول نجد أن الدول التي يرتفع فيها سعر البنزين لديها شبكة نقل واسعة وشاملة بين المدن وداخل المدينة، في حين أن المملكة حتى الآن تنقصها هذه الشبكة من النقل العام بين المدن وكذلك داخل المدن، وهناك عديد من المشروعات القائمة حاليًا، فقطار الحرمين الشريفين انتهى العمل فيه، وهناك قطار الشمال، كما أن هناك مشروعات مترو وقطارات داخل مدينة الرياض وجدة لكنها تحتاج إلى وقت حتى تنتهي هذه المشروعات التي تدعم التوجه نحو تحرير أسعار الطاقة.
تقنين استهلاك الوقود ضرورة اقتصادية ملحة للتقليل من هدر الطاقة، وصحيح أن حساب المواطن سيحد من التأثيرات والتحديات التي تواجه فئات محددة من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن يجب النظر إلى ضرورة استكمال البنية التحتية للنقل العام بين المدن وداخلها حتى لا يتأثر الاقتصاد المحلي ويستمر تباطؤه، وحتى نتحرر من اقتصاد النفط والدخل الوحيد للنفط، وحتى نوجد مصادر إنتاجية أخرى جديدة تحقق التنويع الاقتصادي، عندها يمكن تحصيل السعر الأمثل لموارد الدولة الطبيعية وبالتالي استخدام تلك الإيرادات المفقودة في الاستثمار في قطاعات أخرى وعلى الأخص استثمارها في البنية التحتية.